واشنطن: بي بي سي
عاد الحديث عن المخلوقات الفضائيَّة الى الواجهة بعد نشر وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الخميس الماضي، تقريراً قالت فيه مجدداً إنه لا يوجد أي دليلٍ على أنَّ كائنات فضائيَّة تقف وراء المئات من "الظواهر الشاذة غير المحددة"، وهو الاسم الجديد الذي اعتمدته الوكالة حديثاً للإشارة الى "الأطباق الطائرة" وما يشبهها.
لكنْ لم تستبعد وكالة الفضاء أيضاً أي احتمال. كما أشارت الى أنه يجب أن يكون عامة الناس منخرطين بصورة أكبر في هذه المسألة، من خلال ابتكار نظامٍ يتيح جمع التسجيلات المأخوذة من الهواتف المحمولة مثلاً.
وقبل نشر ناسا لتقريرها الجديد، استضاف البرلمان المكسيكي صحفياً مهتماً بشؤون المخلوقات الفضائيَّة، عرض أمام المشرعين "جثتين" لكائنات فضائيَّة يقول إنه عثر عليهما في مدينة كوسكو بالبيرو، ويقدر عمرهما بحوالى ألف عام.
متى بدأ الهوس؟
بحسب تقرير منشور على الموقع الرسمي لمكتبة الكونغرس، أصبحت التقارير عن "الأطباق الطائرة" في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، ظاهرة ثقافية أميركيَّة. وأصبحت رؤية الأجسام الغريبة في السماء بمثابة المادة الخام لهوليوود لتقديم رؤى حول التهديدات المحتملة التي تشكلها هذه المخلوقات. وكان السؤال الذي يطرح حينها هو: هل هؤلاء الزوار المزعومون من عوالم أخرى هم مسالمون وخيرون أم أنهم سيهاجمون البشرية ويدمرونها؟
ويشير التقرير إلى أنَّ الحديث عن المخلوقات الفضائيَّة أتى بعد اكتشاف الناس القوة التدميريَّة للقنبلة الذريَّة وتفكيرهم في إمكانات التقدم التكنولوجي. ويضيف أنَّ الخوف من مستوى الدمار في عصر الحرب الباردة أثبت أنَّ هناك أرضاً خصبة للقلق لدى الناس وأنه يمكن استخدام ذلك.
وبحسب الإذاعة الوطنية العامة الأميركية، فإنّ جذور هوس الأميركيين بالأجسام الطائرة المجهولة تعود إلى شهر تموز من العام 1947. إذ وفقاً لعشاق الأجسام الطائرة المجهولة، في ذلك التاريخ استولت القوات الجويَّة الأميركيَّة على مركبة فضائيَّة غريبة، وركابها، بالقرب من روزويل بولاية نيو مكسيكو. وعادت هذه القصة إلى الواجهة عام 2019، مع تحذير ناشطين من أنهم يريدون اقتحام القاعدة الأميركيَّة العسكريَّة السريّة المعروفة باسم "المنطقة 51" في ولاية نيفادا الأميركيَّة "لإخفائها كائنات فضائيَّة".
وبدأ الأمر بدعوة أطلقها أحد الناشطين على موقع فيسبوك وقال فيها: "معاً نجتاح المنطقة 51، لا يمكنهم إيقافنا جميعاً"، وضرب موعداً لذلك هو اليوم الجمعة 20 أيلول 2019. وتفاعل أكثر من مليون شخص مع الدعوة على فيسبوك، على الرغم من أنَّ صاحب الفكرة قال في وقت لاحقٍ إنَّ الأمر كله كان مجرد دعابة.
والمنطقة 51 هو اسمٌ شائعٌ لقاعدة جوية أميركية تقام فيها أنشطة سريَّة للغاية، وأسهم الغموض الذي يكتنف المنطقة 51 في نسْج نظريات المؤامرة حولها.
بدعة سوفييتية؟
أشارت الصحفية آني جاكوبسن، التي نشرت في العام 2011 كتاباً كشفت فيه معلومات تنشر لأول مرة عن المنطقة 51، إلى أنها كانت تستخدم لإجراء تجارب نوويَّة سرية للغاية ولتطوير الأسلحة ومن ثم لتجارب طائرات المراقبة. وكتبت أنَّ إحدى الطائرات، التي تسمى "أوكسكارت"، صممتها وكالة المخابرات المركزيَّة، لتسافر بثلاثة أضعاف سرعة الصوت على ارتفاع 90 ألف قدم للتجسس على الاتحاد السوفيتي وكوبا. وأشارت الى أنَّ ارتباط المنطقة 51 بالكائنات الفضائيَّة أسهم في خلق أجواءٍ غامضة مفيدة لأجهزة الاستخبارات الأميركيَّة.
وتضيف: "لقد استخدمت السي آي ايه هذا الغموض لمصلحتها عبر الترويج لخرافة الكائنات الفضائيَّة".
وتقول جاكوبسن في كتابها نقلاً عن أحد مصادرها، إنَّ المركبة أو الطائرة التي تحطمت في نيو مكسيكو، كانت نتيجة لبرنامج التجارب البشريَّة السوفييتيَّة، وكان تضم طيارين مصممين بحجم أطفال، صنعوا على شكل الكائنات الفضائيَّة التي تتحدثت عنها رواية "حرب العوالم" لأورسون ويلز والتي هي رواية خيال علمي.
ما المؤكد حتى اليوم؟
على الرغم من المعلومات التي قدمتها جاكوبسن، إلا أنَّ الحديث عن الأطباق الطائرة والمخلوقات الفضائيَّة لم يتوقف في الولايات المتحدة، لا من قبل الجمهور ولا من قبل الرؤساء أو الحكومة وأجهزتها الأمنيَّة.
في العام 2017، كشفت وسائل إعلام أميركيَّة، أنَّ وزارة الدفاع الأميركيَّة (البنتاغون)، أدارت عام 2007 برنامجاً سرياً تبلغ تكلفته ملايين الدولارات للتحقيق والبحث في الأجسام الطائرة المجهولة، إلا أنه أغلق عام 2012.
وفي العام 2021، أعلن مسؤولون بوزارة الدفاع الأميركيَّة عن تشكيل قوة مهامٍ خاصة للتحقيق في تقارير عن رؤية أجسام طائرة مجهولة الهوية (أطباق فضائيَّة طائرة) كانت تحلق في المجال الجوي المحظور بالولايات المتحدة. وقال البنتاغون إن قوة المهام الخاصة سوف تعمل على تقييم الأشياء محل الاهتمام و"تحييد أي تهديدات مرتبطة بها".
وخلص تقرير لوزارة الدفاع درس 144 مشاهدة لأجسام طائرة غير محددة الهوية، منذ العام 2004، أنه: "لا توجد مؤشرات واضحة على وجود تفسيرٍ مرتبطٍ بحضارة من خارج كوكب الأرض لهذه الأجسام الطائرة"، لكنه أيضاً لم يستبعد ذلك.
وأضاف التقرير أنه قد تكون بعض هذه الظواهر مرتبطة بتكنولوجيا تابعة لدول أخرى مثل الصين أو روسيا، وقد يكون بعضها مرتبطاً بظواهر جوية أو طبيعية، مثل بلورات الثلج التي يمكن أن يسجلها الرادار. وقال التقرير أيضاً إنَّ بعض هذه المشاهدات، يمكن أنْ تكون مرتبطة "ببرامج تكنولوجية سرية، تابعة لمؤسسات أمريكية".
هل هذا كله مجرّد وهم؟
في الوقت الذي تبحث فيه ناسا والبنتاغون عن المخلوقات الفضائيَّة، وحتى جلاء الحقائق العلمية، كيف يمكن أن نفسر قول البعض، خصوصاً في الولايات المتحدة، أنه تم "خطفهم" من قبل مخلوقات فضائيَّة ثم أعيدوا بعدها الى الأرض؟ قد يعود التمركز الأكبر لمثل هذه الحالات في الولايات المتحدة، الى مدى انتشار الحديث عن مشاهدة الأطباق الطائرة في السماء، بالإضافة الى كثرة تناولها في الأفلام والكتب وفي السياسة والإعلام.
هذا ما جعل علماء النفس بدورهم يبحثون عن إمكانية وجود خصائص مختلفة معينة لدى الأشخاص الذين يخبرون عن مشاهدتهم لأطباق طائرة أو لقائهم بمخلوقات فضائيَّة.
وأظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يبلغون عن اتصالهم بالكائنات الفضائيَّة يبدو أن لديهم ملفاً نفسياً مختلفاً مقارنة بالمشاركين الذين لم يبلغوا عن هكذا مشاهدات.