الذكاء الاصطناعي.. من طيار مساعد إلى مقاتل جوي

علوم وتكنلوجيا 2023/09/26
...

 واشنطن: وكالات

لا يختلف اثنان على أنَّ الولايات المتحدة منهمكة اليوم في بناء أساطيل من الأسلحة الذكيَّة الفتاكة وغير المكلفة، علها تضعها في موقفٍ متقدمٍ عند مواجهة أي عدوٍ في ساحات المعارك. ويعتري المخططون العسكريون قلقٌ من أنَّ طائرات القوات الجويَّة وأنظمة الأسلحة المعمول بها حالياً، ما عاد ممكناً التعويل عليها إذا اندلع صراعٌ واسعُ النطاق مع الصين مثلا، لا سيما على شاكلة غزو الصين لتايوان.
سباق مفتوح
وبطبيعة الحال، يشكل التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي والحفاظ عليه أحد جوانب السباق المفتوح على مصراعيه مع الصين. بيد أنَّ خروج برامج حاسوبيَّة مستندة إلى الذكاء الاصطناعي تكون مصممة للقتل، يطرح أسئلة مشوبة بخوف عميق حول الدور الذي ينبغي أنْ يضطلع به البشر في صراعات تخوضها تلك الآلات التي لا تفقه في الأخلاقيات شيئاً.
ورسمت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشرته أخيراً صورة عن حروب "ذكية" ستقاتل فيها روبوتات طائرة "مأهولة" بذكاء اصطناعي جنباً إلى جنب طيارين من البشر يقودون أحدث المقاتلات في سلاح الجو الأميركي.
وتحديداً، ثمة تركيز الآن على الطائرة التجريبية من دون طيار "إكس كيو- 58 إيه فالكيري" XQ-58A Valkyrie التابعة للقوات الجوية الأميركية. إذ تحلق باستخدام محرك صاروخي، ويسعها أنْ تطير مسافة تساوي عرض الصين. كذلك تتميز بتصميم يبقيها خفية عن رادار العدو، إضافة إلى أنها تحمل صواريخ تضرب أهداف العدو بعيداً من نطاق رؤيتها. لكنَّ أكثر ما يميز هذا الروبوت أنه يشتغل بواسطة نموذج من الذكاء الاصطناعي، ما يضعه في طليعة الجهود التي يبذلها الجيش الأميركي بغية الاستفادة من قدرات تلك التكنولوجيا الناشئة التي تجيء فوائدها المحتملة المهولة ممزوجة بمخاوف بشأن حجم الاستقلاليَّة التي في يدها أن تمنحه لأي سلاح فتاك.

"درون" من الجيل المقبل
بحسب "نيويورك تايمز"، تشكل "فالكيري" في الأساس، طائرة مسيرة "درون" من الجيل المقبل، ونموذجاً أولياً لما تأمل القوات الجوية في أنْ يصبح عنصراً مكملاً قوياً لأسطولها من الطائرات المقاتلة التقليدية، الأمر الذي يضع بين يدي الطيارين من البشر أسراباً مساعدة من الدرونات التي تحلق بها الروبوتات وتتمتع بقدرات متقدمة. وتتمثل مهمة تلك الطائرات الروبوتيَّة المنتظرة في دمج الذكاء الاصطناعي مع أجهزة الاستشعار فيها بغية تحديد العدو بدقة وتقييم تهديداته ثم، التحرك لقتله، بعد الحصول على موافقة بشرية.
في الحقيقة، يقدم برنامج "فالكيري" صورة عن إعادة رسم معالم تجارة الأسلحة الأميركية والثقافة العسكرية والتكتيكات القتالية والتنافس مع الدول المنافسة. كذلك يسهم صعود نجم الذكاء الاصطناعي في ظهور جيل جديد من الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" تسعى إلى تقويض، أو أقله تعطيل، الاحتكار المديد لحفنة من شركات عملاقة تزود القوات المسلحة الأميركية بالطائرات والصواريخ والدبابات والسفن، هنا يأتي دور الجيل الجديد من طائرات الدرون المسيرة بالذكاء الاصطناعي، المعروفة باسم "الطائرات المقاتلة المساعدة". وتخطط القوات الجوية الأميركية لبناء ما بين ألف وألفين منها في مقابل أقل من 3 ملايين دولار للطائرة الواحدة، أو جزء صغير من كلفة طائرة مقاتلة متطورة، لذا أطلق بعضهم في القوات الجوية على البرنامج اسم "الحشد الميسور الكلفة".
ستكون في متناول القوات الجوية مجموعة من الأنواع المتخصصة من تلك الطائرات الروبوتية. سيركز بعض منها على مهمات المراقبة أو إعادة الإمداد، وبعضها الآخر سيحلق في أسراب هجومية، ويبقى بعض منها أيضاً بمثابة "الطيار المساعد الوفي" للطيار البشري.
وسيعمل هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي الذي يمثل نسخة متخصصة من برمجيات الكمبيوتر التي تشتهر الآن بأنها تتولى تشغيل روبوتات الدردشة، على تجميع وتقييم المعلومات من أجهزة الاستشعار الخاصة به حينما يقترب من قوات العدو. وثم يعمل بنفسه على  تحديد التهديدات الأخرى والأهداف المرتفعة القيمة. وبعدها، يتقدم من الطيار البشري بطلب الحصول على إذن قبل إطلاق أي هجوم بقنابله أو صواريخه.
وستندرج النماذج الأقل كلفة من طائرات الدرون المسيرة بالذكاء الاصطناعي ضمن فئة الطائرات الأحادية الاستخدام، ما يعني أنها ربما لن تنهض سوى بمهمة واحدة يتيمة. وقد تكلف الطائرة الروبوتية الأكثر تطوراً ما يصل إلى 25 مليون دولار، وفق تقدير مجلس النواب الأميركي، وهو مبلغ أقل كثيراً من كلفة طائرة مقاتلة يقودها طيار.

تكنولوجيا تنقلب ضد مخترعيها
وتشير "نيويورك تايمز" إلى أنه بعد عقود طويلة صب فيها البنتاغون تركيزه على شراء أجهزة صنعتها شركات تتعاقد تقليدياً مع وزارة الدفاع على غرار "لوكهيد مارتن" و"بوينغ"، تحول التركيز إلى برمجيات يسعها أن تعزز قدرات أنظمة الأسلحة، مما يخلق فرصة للشركات التي تصنع التكنولوجيا الأكثر تقدماً للظفر بجزء من موازنة المشتريات الضخمة للبنتاغون.
بحسب الجنرال ديل وايت، مسؤول البنتاغون الذي تولى سابقاً مسؤولية برنامج التعاقدات الدفاعية الجديد، "تعتمد الآلات في الواقع على البيانات، ثم تخلق نتائجها الخاصة".
وكذلك تتيح سياسة البنتاغون بشأن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في أنظمة التسليح، بالاستخدام المؤتمت للقوة المميتة، لكن أية خطة معينة لصناعة أو نشر مثل هذا السلاح، لا بُدَّ أن تخضع للمراجعة أولاً من جانب لجنة عسكرية خاصة، قبل الموافقة عليها.
عموماً، تدرك القوات الجوية الأميركية أن عليها أن تواجه أيضاً مخاوف كبرى بشأن الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، أبرزها الخوف من أن التكنولوجيا قد تنقلب ضد مخترعيها من البشر.