محمد صالح صدقيان
كشفت التطورات بعد السابع من اكتوبر 2023 عن عديد العوامل المؤثرة في السياسة والأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط؛ إضافة إلى أنها أعادت التفكير بضرورة وضع حد للتحديات والأزمات والتوترات، التي عصفت بهذه المنطقة منذ عقود والتي أثرت بشكل مباشر في خطط وبرامج التنمية،كما أثرت في المستقبل السياسي لهذه المنطقة، التي انتظرت في برهة من الزمن «الشرق الأوسط الجديد» وما بعدها «صفقة القرن» وقبلها «حل الدولتين»، وهي حبلی بمشاريع ومخططات تبحثها غرف الفكر والسياسة في مراكز الأبحاث الدولية والإقليمية، من دون أن يكون هناك بصيص من الأمل، ينقذ هذه المنطقة من عثرات السياسة والقوة
ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن الولايات المتحدة وإيران كانا العنصرين الفاعلين في هيكلية القوة والعلاقات الدولية، بسبب امتلاكهما لقوة المنافسة على المستويين العالمي والإقليمي.
إن معادلة السياسة والقوة في منطقة الشرق الأوسط ليست ممكنة ومفهومة دون الأخذ بعين الاعتبار التكتلات الأمنية الإقليمية، حيث ساهم اللاعبون الإقليميون بخلق مستوی من معادلة القوة والمنافسة في هذه المنطقة.
وتعدُّ إيران أحد اللاعبين الفاعلين في المجال الجيوسياسي لهذه المنطقة التي تسير علی رمال متحركة منذ عقود.
الولايات المتحدة التي تعدُّ إحدى القوى الرئيسة في النظام الدولي، تحاول تثبيت موقعها في الشرق الأوسط ، وبذلك توفر الأساس للسيطرة على آليات القوة في مجالي الطاقة والأمن الإقليمي.
مثل هذه المنافسة تؤشر إلی تنامي الأزمات والتوترات، خصوصا إن إيران تعدُّ نفسها قوة إقليمية تريد المساهمة في الأمن الإقليمي، ولها مصالح جيوسياسية وجيواستراتيجية يجب أن تخذ بنظر الاعتبار بأي نظام اقليمي أو ترتيبات أمنية تخص المنطقة.
أمريكيًا؛ فإن منطقة الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا كانت منذ تسعينيات القرن الماضي، مصحوبة بعلامات الأزمة والتهديد والفوضى والمواجهة الجيوسياسية من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة حاولت دائمًا لعب دورا متوازنا في البيئة الإقليمية، إلا أن ظهور جهات اقليمية ناشطة غير متفاعلة مع المخططات الأمريكية خلق خلفية لتشكيل الأزمات وتصعيدها.
وقد حاولت الولايات المتحدة إدارة الأزمات والسيطرة عليها في الشرق الأوسط والمنطقة الخليجية وغرب آسيا علی وجه العموم.
وتكتسب الأزمات السياسية الجديدة أهمية في الشرق الأوسط لأنها توفر البيئة اللازمة لإدارة الأزمات في الفضاءات المتأزمة والمتوترة.
لقد حاولت الولايات المتحدة توريط ايران في مناطق التوتر من خلال استخدام نموذج «التوازن الناعم» لإشراك إيران في مواقف الأزمات، خصوصا بعد ظهور الحركات المتطرفة والمتششدة ؛ لكن ايران اتجهت لتشكيل ائتلافا تكتيكيا مع روسيا لمواجهة هذه الحركات.
لقد تسببت اخفاقات السياسة الأمريكية بعد العام 2001 بظهور العديد من التحديات الأمنية، الأمر الذي ساهم في تمدد ايران لملء الفراغ الأمني.
وعلی الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمل في العام 2017 لخلق معادلة قوة جديدة في المنطقة، لكن الظروف الامنية كانت تسير بافق اخر علی عكس ما كانت تخطط له الإدارة الأمريكية آنذاك.
إيرانيا؛ قامت طهران بتحسين موقعها الإقليمي في عام 2010 وما بعده.
حيث وضعت الأمن الإقليمي علی أجندتها الأمنية، واعتبرت الأمن في العراق وسوريا جزءًا من أمنها الوطني وتعاملت معه علی هذا الأساس.
إلا أن الولايات المتحدة والدول الغربية حاولت تغيير ميزان القوی في البيئة الإقليمية ضد مصالح إيران وأمنها القومي.
لقد خلقت الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية العديد من الأزمات من خلال تغيير التوازن، لأنها أساهمت من خلال سياساتها ايجاد الخلفية اللازمة لظهور ولعب الجماعات المتطرفة والمتشددة، ما جعل البيئة الأمنية الإقليمية في الشرق الأوسط تواجه المزيد والمزيد من الأزمات؛ في الوقت الذي وضعت إيران هدف الاستقرار في المحيط الإقليمي أحد أهدافها الستراتيجية.
وقد ركزت إيران علی قوتها الإقليمية في الوقت، الذي عملت علی خلق حالة من التوازن بين «الميدان» و»الدبلوماسية» بطريقة معقدة وشائكة، لتعزيز دور «إيران الإقليمية»، تزامنا مع سعيها لايجاد تحالفات متعددة الأطراف وبناء أسس الأمن الجماعي والتعاون في بيئة الأزمات وإشراك الجهات الفاعلة الإقليمية لخلق الاستقرار الإقليمي والتعاون البناء.
وفي نهاية المطاف؛ استفادت إيران من سياسة المصالحة الإقليمية والتعاون الدولي لإدارة الأزمات.
وعلى أساس هذه الفكرة، تمت إعادة صياغة علاقات إيران مع الدول الخليجية علی أساس التعاون والتفاهم واحترام المصالح.
ففي الوقت الذي سعت فيه الانفتاح علی السعودية، باعتبارها دولة محورية ولاعبا مهما في العالم العربي والمنطقة؛ توجهت نحو روسيا والصين اللتين تعدّان من اللاعبين الدوليين الذين دعموا سياسة «إيران الإقليمية» في اتجاه التعاون البناء.
لقد تمكنت إيران من خلق الأرضية اللازمة للتعاون التكتيكي مع قوى كبری، كالصين وروسيا من أجل خفض الأزمات والتوترات في المنطقة، حيث ساهمت هذه الحالة من انشاء الاساس للتعاون البناء المتعدد الاطراف في البيئة الاقليمية.
وهناك بُعد آخر لسياسة إيران الإقليمية، وهو التعددية الدولية الرامية إلى حل التحديات المرتبطة بقدرات إيران النووية.
وعلی الرغم من ان الرئيس ترامب حاول تحجيم إيران، إلا انها لم تستسلم أمام رغباته الرامية إلى عزلها اقليميا وسياسيا وامنيا؛ وقامت بتحسين قدرتها التقنية، وبهذه الطريقة شكلت مستوى جديداً من الدبلوماسية، استناداً إلى تجارب الماضي وسياسات القوة.
ويمكن اعتبار الدبلوماسية النووية الإيرانية بُعدًا آخر في سياسة إيران الإقليمية؛ حيث نجحت باعادة صياغة مفاوضاتها النووية بالتوازن مع سياسات القوة للمزج بين الميدان والدبلوماسية، لتحقيق أوسع قدر من العوامل الجيوسياسية والجيوستراتيجية.