بشير خزعل
يعاني التعليم العالي في العراق منذ فترة ما بعد سقوط النظام المباد، من تناقضات وسياسات خاطئة، مع انخفاض المستوى العلمي وغياب المعايير الموضوعية لعملية التعليم والبحث العلمي، ورغم سعي الوزارة إلى الإصلاح، بما لديها من إمكانات والحث على تحويل الجامعات والمعاهد إلى مؤسسات علمية رصينة، تضاهي الجامعات العالمية، والنأي بهذا القطاع عن الصراعات والتجاذبات السياسية والدينية والعرقية
إلا أن المشكلة بمستوى ونوعية التعليم على المستويين الداخلي والخارجي تفاقمت، وأصبحت أغلب الكليات والجامعات تختلف مع بعضها البعض في منهجية التعليم والمحتوى العلمي، ولعل المثير للاستغراب في هذا الموضوع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن طالبا ما في إحدى كليات الطب في جامعة عراقية في محافظة بابل أو صلاح الدين أو البصرة، قد لايمكنه الانتقال إلى إحدى كليات جامعة بغداد الطبية الأخرى، والسبب هو اختلاف المحتوى العلمي أو المنهج الدراسي لتلك الكلية عن كليات جامعة بغداد، علما أن جميع الكليات الأهلية والحكومية والتعليم الموازي، أصبحت جميعها خاضعة إلى القبول المركزي، وتعمل حسب ضوابط وتعلميات وزارة التعليم العالي في العراق، اما طلبة الخارج من الدارسين في الاختصاصات الطبية في الجامعات العالمية، فلهم قصص محزنة في سياسية وزارة التعليم العالي في العراق، فبرغم تذيل الجامعات العراقية قائمة الاعتراف العالمي بمستوى التعليم، ترغم الوزارة الطلبة ممن لم يحصلوا على قبول في الجامعات الطبية في العراق على الدراسة في الخارج في جامعات عالمية معترف بها دوليا، وتتيح لهم الانتقال إلى الجامعات العراقية بعد انتهاء العام الدراسي الاول، لكن بشرط الرجوع إلى مرحلة دراسية أدنى في حال اراد الطالب الانتقال من تلك الجامعة إلى إحدى الجامعات العراقية، وغالبا ما يضطر الطلبة إلى هذا الأمر، بسبب ظروفهم المالية، وكذلك بسبب اللغة التي تدرس بها جامعات الخارج، وتحت هذه المفارقة تضيع سنة كاملة بسبب اختلاف المنهاج والمحتوى العلمي، علما أن دراسة الطب لاتقبل الفلسفة بقدر اعتمادها على النتائج الموضوعية الواقعية وليس الافتراضية، ومع مرور الوقت لم تفلح وزارة التعليم العالي منذ العام 2003 وحتى وقتنا الحالي بتجاوز ازمتها، في إيجاد سياسة علمية رصينة تؤسس لواقع علمي متطور، يتناغم مع باقي الجامعات العالمية المعروفة، بل العكس ازدادت تراكمات هذا القطاع وتعقدت الجوانب المختلفة لمشكلة التعليم العالي والبحث العلمي، الامر الذي أدى إلى تفاوت المسؤوليات في حلّها، وعدم القدرة على تشخيص سلبياتها ومعالجة مشكلاتها المتفاقمة عاما بعد آخر، في أغلب دول العالم ومحيطنا الإقليمي لا يوجد مثل ما موجود لدينا من مفارقات في عملية التعليم، معدلات اعلى من معدل النظام العالمي، بسبب بعض الامتيازات، تفاوت في المستوى العلمي بين جامعة وأخرى من دون تنافس منهجي مدروس، طلبة تضطرهم معدلاتهم للهجرة والاغتراب وانعكاسات اجتماعية على اهالي الطلبة، وغيرها من تداعيات القبول الجامعي مع كل سنة تمر على هذه الوزارة، التي تشكل اهم ركن أساس من أركان الدولة العراقية، ليس معيبًا أن نستعين بخبراء وعلماء من الخارج والداخل، لتخطي الازمة والملابسات الإدارية المتراكمة، التي تعمل بها الوزارة منذ سنوات طويلة، فمع وجود مئات الآلاف من الخريجين كل عام، لا بد أن تتوسع مثل هذه الوزارة بمواردها البشرية الفنية المتخصصة، وخبراتها الادارية العالية المستوى، القادرة على تنظيم وترتيب عمل الجامعات والكليات بمختلف مسمياتها، ومن أجل أن لا يضطر أبناؤنا إلى الهجرة والوقوع في شرك استغلال الجامعات الأجنبية، التي تفرض قيودها الخاصة بنظامها العلمي والإداري المتعارض أو غير المعترف به من قبل وزراة التعليم العالي في العراق.