أحمد عبد الحسين
إذا استمرّت الحال على هذا المنوال فإن العراق سرعان ما يتحوّل إلى دولة صحراوية. وهذا التحذير ليس منّي، بل أطلقته منظمات بيئية عالمية. فالنهران يتناقص ماؤهما بتسارع مخيف، مع انعدام الإرادة السياسيّة في الضغط على دولتي المنبع «تركيا وإيران»، والأراضي الزراعية تتناقص في ظل الهجرة من الريف إلى المدن، وهي هجرة مستمرة منذ الخمسينات وإلى اليوم، والصحراء تزحف على قلب بلاد كان من أسمائها جنّة عدن.
أمس قدّم الجهاز المركزي للإحصاء أرقاماً مرعبة عمّا يحدث: نصف مساحة العراق تقريباً أصبحت صحراء قاحلة، والنسبة تتزايد لأنّ المياه تتناقص
ولا أحد يفكر بحلّ.
وأنا أقرأ هذه الإحصائيات مرّ أمام عينيّ تقرير عن بدء المملكة العربية السعودية بمشروع يهدف إلى زراعة الصحراء بعشرة مليارات شجرة. الرقم ليس مبالغة، هناك خطط واضحة لجعل هذا العدد المهول من الأشجار ينقل الهويّة الطوبوغرافية للسعودية من دولة صحراوية إلى بستان أخضر. المشروع الملحميّ هذا استعانت المملكة في تنفيذه بشركة صينية رائدة في هذا المجال هي شركة «إيليون» التي لفتتْ إليها أنظار العالم بعد أن حوّلت صحراء الصين في منطقة «كوبوتشي» إلى مدن تحيط بها
الحدائق الكبيرة.
كما استعانتْ السعودية بالخبرات الباكستانية، فباكستان لديها المشروع الطموح ذاته المتمثل بزراعة مليارات الأشجار في صحاريها وقد أنجزت قسماً كبيراً منه، واللافت أن المشروع الباكستاني تكفّل بتنفيذه القطاع الخاص بنسبة 70 بالمئة.
المشروع السعوديّ لزراعة الصحراء تقف خلفه ذخيرة علمية أتتْ بأحدث التكنولوجيا في هذا المجال، فقد شرعوا بمشروع أسموه «مشروع جينوم الأشجار الأصلية» والغرض منه دراسة الخصائص التي توفّر للأشجار القدرة على مقاومة عوامل الجفاف.
نحن أحوج من السعودية والباكستان إلى مشروع كهذا، فالأرض العراقية خصبة والصحراء طارئة عليها، والماء متوفّر لدينا أكثر من توفّره لدى الدولتين، والإنسان العراقيّ يزرع ويروي زرعه ويحصد منذ عشرة آلاف سنة خلت، ولا تنقصنا الموارد المالية. لكنّ ما ينقصنا حقاً الإرادة السياسية والقليل القليل من الضمير الذي يأبه بمصائر من سيأتي بعدنا من أبنائنا وأحفادنا.