حرب المحافظين

آراء 2023/12/11
...

حمزة مصطفى

بعد عقدين من الزمن على تغيير النظام السياسي في العراق من مركزي شمولي إلى اتحادي ديمقراطي دخلت مسألة الحكم المحلي حيز المناكفات السياسيَّة من أوسع أبوابها.
على عهد النظام السابق والعهود التي سبقته بمن فيها العهد الملكي كان المحافظ وقبله «المتصرّف» متصرّفاً باللواء، المحافظة تاليا، بوصفه موظفا رفيع المستوى مرتبطا بوزير الداخلية.
وبعد أن بدا أن الحكم المحلي تضخم كثيرا ولم تعد وزارة الداخلية قادرة على استيعابه تم استحداث وزارة الحكم المحلي أوائل ثمانينات القرن الماضي التي تحدد سياقات عمل المحافظين.
بعد عام 2003 تغير نظام الحكم على المستوى السياسي لكن بقيت الإشكاليات الإداريَّة التي تحكم سياقاته قائمة على كل المستويات ومن بينها منصب المحافظة وعائديته وصلاحياته.
وبعد أن شرع الدستور العراقي الذي تمَّ التصويت عليه عام 2005  مجالس المحافظات تغيّرت عائديّة منصب المحافظ الذي بات يأتي عبر الانتخابات داخل تلك المجالس التي تعد الهيكل التشريعي والتنفيذي للمحافظة.
ولكون العراق حديث العهد بالديمقراطية فقد أثبتت السنوات اللاحقة أن التجربة لم تنجح بالطريقة التي صممت بها لخدمة المحافظات.
فالتداخل السياسي صار واضحا بين المجالس المحليّة ومجلس النواب.
وفي الوقت الذي تكون فيه الحكومة بشخص رئيس الوزراء وباقي فريقه الوزاري مسؤولة أمام البرلمان لجهة الرقابة والاستجواب وسحب الثقة، فإنَّ المحافظ أصبح مسؤولا أمام مجلس المحافظة الذي يستطيع إقالته مثلما يستطيع مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة في حال أخفقت في تنفيذ ما هو مطلوب منها.
لكن هل حصل شيء من هذا القبيل بعد عام 2003 على كثرة الاخفاقات والإشكالات وما هو بمنزلتها؟، الجواب لم يحصل.
الأمر نفسه ينطبق على مجالس المحافظات والمحافظين لأنَّ الصلة بين المحافظ ومجلس المحافظة تكاد تكون صيغة مشابهة لعمل الحكومة والبرلمان كون الأحزاب التي تهيمن على البرلمان هي نفسها التي تهيمن على مجالس المحافظات.
فالحال إذن «من بعضو» كمال يقال ومن ثم لا جديد تحت الشمس ولا فوقها.
المرة الوحيدة التي أقيلت فيها حكومة أو استقالت هي حكومة السيد عادل عبد المهدي نتيجة تظاهرات تشرين عام 2018 و2019.
ولمن لا يزال يتذكر تلك الاحتجاجات التي دفعت أثمانا باهظة بسبب رفعها شعار «نريد وطن» كانت أحد شروطها الغاء مجالس المحافظات.
ولكن لأن المجالس منصوص عليها بالدستور عادت، وها نحن نقترب من إجراء انتخاباتها وسط تصعيد وتسقيط غير مسبوقين.
لا جديد إذاً قلنا إنَّ مجالس المحافظات التي تنبّهت القوى السياسيّة إلى أهميتها بل خطورتها، وذلك لجهة من يسيطر عليها يسيطر على مجلس النواب في أول انتخابات مقبلة، فإنّ الحرب بين القوى السياسيّة تحولت إلى حرب محافظين أيَّا كان هذا المحافظ ناجحا أم فاشلا.
المطلوب الآن الهيمنة على المجلس والمحافظة معاً شاء من شاء وأبى من أبى.
ومع كل ما يمكن أن يطرح من شعارات براقة مثلما نراها في الشوارع فإنَّ الغاية من إجراء الانتخابات المحليّة هي الهدف نفسه. لأول مرة في كل العالم يتوحد الهدف والغاية معاً في نوع من تبادل الأدوار كلمة السر فيها عبارة من مفردتين.. سيطر تكسب.