علي لفتة سعيد
لا أحد بإمكانه أن ينكر حق الفلسطينيين بالدفاع عن أرضهم، مثلما لا يمكن لأحد أن ينكر حق العرب بالدفاع والتأييد عن القضية الفلسطينية التي تسيّدت كل القضايا التي أطلقنا عليها المصيريَّة. لذا كانت الانتفاضات السابقة تحصل على دعم شعبيّ على الأقل أكثر منه دعما من الحكومات العربية ذاتها التي لجأت في السنوات الأخيرة إلى لعب دور حمامة السلام من دون أن تعلم أنها ربما أخذت دور البوم الذي يراقب ولم تستطع حتى أخذ دور الغراب في التنبؤ بالأحداث كما فعل الغراب في انزال العلم (الإسرائيلي) من ساريته.
ولأن هذا الأمر متغلغلٌ في الذات العربيَّة فإن ما قامت به حماس وجد الصدى الكبير من غالبية الشعب العربي، بل كان الكثير من العرب مستعدّين للذهاب إلى فلسطين والمشاركة في الحرب أو (القتال) إلى جانب (المقاومة الإسلامية).
حتى صار هذا الاندفاع مثالًا يحتذى به والتي جعلت الكثير من المؤسّسات العربية الثقافية تقيم مسابقات للقصيدة العربية عن فلسطين أو إقامة مهرجانات فنيّة وأماسٍ ثقافية.
ولكن الأغلب الأعم من هذه الفعاليات أو الدعم الشعبي لم يكن محصورًا بحماس، بل بالقضية الفلسطينية ككل، لما لاقاه على الأقل في العقد الأخير ومنذ مجيء نتن ياهو والعصابات المتصلّبة المتعصّبة في الحكم (الإسرائيلي) وزيادة الضغط على الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزّة حتى صار الشعار لهذه الحكومة هي كيفية التخلّص من حماس، فكان المهاد له هو التوصّل إلى اتفاقات مع دولٍ عربيةٍ من أجل إحلال السلام خاصة وأن بعض الدول آمنت بالأمر الواقع وتريد العيش بما يطلق عليه حلّ الدولتين.
وكان هذا الضغط وهذه المخطّطات سببًا في زيادة التعاطف العربي وهو أضعف الإيمان، لكنه يختلف عن الموقف الحكومي العربي وكان هذا يصب في مصلحة القضية الفلسطينية أكثر منه في التعاطف مع حماس، وهو الأمر الذي لا يبدو فيه بوحًا مباشرًا باعتبار حماس ليست هي السلطة الفلسطينية، ومن ثم تعد فصيلًا مسلًحًا كما تتخذها هذه الحكومات ذريعةً لمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية في إيجاد حل سلمي، وهو ما دعاها كثيرا إلى بحث وقف الحرب أكثر من البحث عن الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وإنها القضية المركزية للعرب والمسلمين والتي تحوّلت في سياسة الكثير من الدول إلى متاجرة باسم القضية.
ولذا يكون السؤال. هل كانت حماس تعتقد أنها ستكون في هذا الموقف المحرج سواء بالداخل الفلسطيني أو الخارج الذي خفّ عنه الدعم لأنّ العالم الغربي وقف مع الكيان الصهيوني وأن ماكنة الحرب الصهيونيّة بدأت تزيد من عهرها الدموي وساديتها للموت، وكلما مرّت الأيام زاد عدد من تدفنهم تحت الركام، وتطاردهم في الشتات وتطاردهم وهم يهربون إلى مدنٍ أخرى وحتى مدارس وأبنية دولية ومستشفياتٍ وتلك الصور المرعبة التي نشاهدها يوميا؟.
هل كانت حسابات الحقل لدى حامس قد غابت عنها حسابات البيدر والعكس صحيح؟
إنّ سبب السؤال الذي لن يتوقّف عند إجابةٍ واحدةٍ، مرده أن موقف حماس بدأ بالتراجع أمام هول القتل والموت والتهجير والجوع والعطش والبرد والشتاء الذي حلّ، حيث صار موقفها هو وقف إطلاق النار ثم تبادل الأسرى، وبدأ قبلها بقبول الهدنة مقابل إطلاق السراح حتى لكأن الحرب بدت وكأنها من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من جماعة حماس.
وهو الأمر الذي أسرته لي شاعرة فلسطينية من الداخل حيث قالت لي (الحرب كأنّها أعطت 20 ألف شهيد مقابل إطلاق سراح كم أسير) وأضافت (كان بالإمكان إعلان تحرير القدس والأسرى بعدها يطلق سراحهم) هذا الموقف من الداخل الفلسطيني يبيّن أن الأمر خرج من يد حماس وأنها ربما تورّطت لأنها توقّعت كما قالت الشاعر الفلسطينية لتصورّها أن (اليهود ستسكت وهذه معادلة حماس تبيّنت أنها غلط) لأن وهو ما يمكن تصوّره، أن حماس توقّعت أن العالم سيقف معها وأن تكون عمليتها التي أدخلت الرعب في الكيان الصهيوني مقبولة، ومن ثم تحقيق الانتصار. إنَّ الأمر بات محصورًا اليوم بوقف إطلاق النار ليعيش الناس ليس بأمان، بل ليبقوا أحياء. وصار الدعاء العربي ليس للانتصار، بل للبقاء احياء لأناسٍ يتعرّضون بشكلٍ مباشر إلى القتل الجماعي، وإن قطّاع غزّة وحتى خارجه، تحوّل إلى مقبرةٍ وان لم يزل البعض يمشي.
إن حسابات حماس لم تأتِ أكلها كما يعتقد البعض الذي يزداد عدده، كونها تصوّرت الحكومات العربية ستقف معها لضغط شعوبها. وإن الدول الإسلامية ستتحرّك لنجدتها وإن الذين يتفاوضون من أجل إحلال السلام يتغيّرون بالموقف لتحرير القدس، وأن العالم عامّة والغربي خاصة ستتغيّر بوصلته باتجاه حلّ القضية الفلسطينية، خاصة بعد قيام دول من أمريكا اللاتينية بقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني أو سحب سفراء دول أخرى، فيما كانت بعض الدول العربية تستضيف رؤساء ووزراء الكيان الصهيوني على أراضيها لمناقشة قضايا أخرى لا تمت بصلة إلى القضية الفلسطينية.
أعتقد أن لا شيء سيتغير من المعادلة والكثير من الناس سيبقون في حالة ترقب لجدول حسابات البيدر لعلَّ الغلة الفلسطينية تكون أكبر وان يكون دم الشهداء هو السبيل للقضية الفلسطينية وليس لتبادل الأسرى.
لأنَّ الشعوب العربية تخاف ان وراء أكمة الحرب ما يتم ترديده في الخفاء من إنهاء القضية الفلسطينية بيد الفلسطينين انفسهم لان الكيان الصهيوني لا يهمه كم يقتل منهم إذا ما حقق أهدافه. والعرب سيعودون الى صمتهم ويدفنون الشهداء.