أ.د. جاسم يونس الحريري
يُراد بالصبر الاستراتيجي الالتجاء إلى الحكمة والصبر هو ليس دعوة طوباويَّة مثاليَّة تنطلق من أرضيَّة فلسفيَّة مخمليَّة بل هي حاجة إنسانيَّة عامة للصبر الاستراتيجي والمقترن دائماً بالذكاء التكتيكي المطلوب اقترانا لازما لا ينفك أحدهما عن الآخر ليؤديا الغرض ذاته، استراتيجية إدارة الازمات ذات النهايات المفتوحة والحادة يجب ان تقترن بالصبر الاستراتيجي ولا مناص عن ذلك حفاظا على الأمن والاستقرار الدوليين.
تطلب الصبرُ الاستراتيجي وجود استراتيجية لها هدف أو مجموعة أهداف، ووسائل وأدوات لإنجاز الأهداف، وفترة زمنيّة مناسبة للانتهاء من الإعداد والعمل وبلوغ النتائج المُظهرةِ لنسبة المتحقق من الأهداف.
كما تتضمن بيانا للمسار الحرج Critical path.
الصبر الاستراتيجي يحتاج إلى آليَّة اتخاذ القرارات الرشيدة نفسها rational decision making.
الصبر الاستراتيجي يختلف عن الحكمة، رغم أن من يؤتى الحكمة يكون قد أوتي شيئاً عظيماً.
كثيراً ما تستخدم قوى المقاومة في فلسطين مصطلح “معادلة الردع” أزاء جملة من التطورات الآنيَّة أو الاستراتيجية في صراعها المحتدم مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتشكّل “معادلة الردع” إحدى محددات قواعد الاشتباك بين كلا الطرفين غير المتكافئين في القوة أو العتاد.
لقد عملت قوى المقاومة في فلسطين، وعلى مدار عقود من الصراع، على تطوير وتعزيز قدراتها العسكريَّة واللوجستيَّة لفرض “معادلة ردع” بوجه احتلال متوحش ومتغطرس لديه من الإمكانات والقدرات العسكريَّة واللوجستيَّة والتكنولوجيَّة الأكثر تتطوراً في المنطقة.
فجيش الاحتلال الإسرائيلي، ترتيبه الـ 20 عالميَّاً بحسب موقع global firepower لعام 2022.
ويمتلك الاحتلال الاسرائيلي، قدرات تكنولوجية هائلة ومتفوقة، كما يمتلك قدرات أمنية واستخباراتية عالية.
ويعد كيان الاحتلال الإسرائيلي واحداً من القوى التي بدأت تمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلا عن قوة اقتصادية وازنة في المنطقة وغيرها.
المقاومة الفلسطينية باتت لديها من إمكانات عسكرية وصاروخية ولوجستية، وبات لديها من الخبراء القادرين على تقدير الموقف وتحديد مسارات وأولويات إدارة المعركة، أصبحت قادرة بفعل تصاعد قوتها ومستوى إدارتها على فرض “معادلة ردع” جديدة تربك حسابات دولة الاحتلال.
لقد أدخلت قوى المقاومة مفهوم “الصبر الاستراتيجي” في إدارتها وخاصة في معركة طوفان الاقصى التي بدأت في السابع من تشرين الاول/ اكتوبر 2023 تثبيت وإحداث “معادلة الردع” مع الاحتلال، واستطاعت أن تضع الحكومة الإسرائيلية كما الأجهزة الأمنية والعسكرية في حال قلق وحيرة وخوف وإرباك، إذ لم يعهد للمحتل أن يتأخر رد المقاومة أزاء أي عملية اغتيال أو ضربة أو استهداف، وعليه، فإنّ المقاومة أزاء “صمتها” استطاعت أن تشن حرباً نفسيّة ذكيّة وضعت كامل الكيان الصهيوني في تخبط بالغ.