جدوى تدريس مادة جرائم حزب البعث المباد في الجامعات

آراء 2023/12/13
...

 د. عبدالله حميد العتابي

اختلف العراقيون كعادتهم في تقييم حقبهم التاريخيَّة ورموزهم السياسيَّة ولم يتفقوا على شيء واختلفوا في كل شيء، أسوق هذه الكلمات بعد أنْ أدرجت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مادة جرائم البعث المباد ضمن المنهاج الدراسي في الجامعات الحكوميَّة والأهليَّة اعتباراً من هذا العام الدراسي، في خطوة تهدفُ الى تعريف الأجيال الناشئة بالجرائم التي ارتكبها البعث المحظور في مدة حكمه البائسة التي امتدت من 17 تموز 1968 لغاية 9 نيسان 2003.
والمفارقة أنَّ ردود الأفعال تجاه هذه الخطوة أثارت جدلاً وكانت متباينة، ففي حين تساءل البعض من المتحفظين على تلك الخطوة هل انتهت مشكلات العراق ولم تبق سوى المناهج وتضمين جرائم حزب البعث في المنهاج، مؤكدين أنَّ القرار سياسيٌ وهدفه المزايدة والبقاء في المربع الأول الذي غادرناه قبل عشرين عاماً؟، في حين رأى آخرون أنَّ قرار تدريس تلك المادة «مهمٌ لتعريف الأجيال الجديدة بحجم الظلم والإرهاب الذي كان يسلطه نظام البعث المباد على الشعب العراقي، وضمان إيجاد التوعية المطلوبة لقطع الطريق أمام محاولات إعادة تدويره مرة أخرى أو تبييض سيرته.
وقبل أنْ نناقشَ جدوى تدريس تلك المادة والذي عانيت منه بوصفي رئيساً لأحد الأقسام العلميَّة في إقناع التدريسيين من ذوي الخبرة في تدريسها.
بادئ ذي بدء لا بُدَّ من معرفة دستوريَّة إدراج تلك المادة في مناهج الجامعات الحكوميَّة والأهليَّة.
نصت المادة السابعة من الدستور العراقي الدائم على: «حظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصريَّة أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أاو يمجد أو يروج أو يبرر له؛ وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أنْ يكون ذلك ضمن التعدديَّة السياسيَّة وينظم ذلك بقانون».
في حين نصت المادة (17) من قانون مؤسسة الشهداء رقم (2) لسنة 2016 في فقرتها (رابع عشر): «تلزم وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي بإعداد منهاجٍ دراسي يسمى (جرائم حزب البعث) بغية تدريسه في جميع المراحل الدراسيَّة.
وعليه ينبغي دراسة طبيعة النظام السياسي الذي عمل على تشكيله حزب البعث، وكان نظاماً شمولياً أشبه ما يكون بالنظام النازي في ألمانيا، الذي تسبب في جرائم لم تقتصر على ألمانيا فحسب، بل عانت دولٌ أخرى منه.
وهذا الأمر انطبق على العراق في حقبة حزب البعث المحظور ولا سيما مدة حكم صدام (1979 – 2003) الذي لم تسلم دول الجوار الجغرافي العربيَّة والإسلاميَّة من شروره وحروبه العبثيَّة وجرائمه، وقد تفنن البعث في صناعة الخوف والقسوة والعنف والوشاية، وتفتيت الأسرة حتى باتت الزوجة تُخبر عن زوجها والأب يخبر عن ابنه.
لذا يمكن القول إنَّ تدريس تلك المادة ضرورة وطنيَّة، لأنَّ هناك حلقة معرفيَّة مفقودة في حقل البحث العلمي تتعلق بخمسة وثلاثين عاماً حكم فيها حزب البعث المحظور وارتكب فيها جرائم ضدَّ الإنسانيَّة تمثلت في إبادات جماعيَّة، انتهاكات لحقوق الإنسان، تهجير قسري، تجفيف الأهوار، تجريف البساتين، لذا وجب تعريف الأجيال الحاليَّة بتلك الجرائم، ليكون عبرة ودرساً أخلاقياً لكل من يحكم العراق مفاده أنَّ الظلم لن يدوم ولن ينجح في حكم العراق إلا من يفهم خصوصيته ويحترم معتقداته وأديانه والتعدديَّة التي تميزه.
ومن ثم فالحاجة بضرورة الالتزام بمنطلقات أخلاقيَّة في تدريس هذه المادة المعرفيَّة التي يجب نقلها للأجيال المقبلة.