أ.د. عماد مكلف البدران
إنَّه سؤالٌ غريبٌ جداً، إذ إنَّ الصهاينة والإسرائيليين يكرهون هتلر الذي يتهمونه بحرق اليهود عام 1941 بما سمي بـ»محرقة الهولوكوست»، فقد كرههم وألقى مسؤوليَّة دمار ألمانيا الاقتصادي والأخلاقي القيمي، فضلاً عن الاجتماعي على اليهود، وهذا الكره ضمَّنه في كتابه (كفاحي)، كما أنَّهم يكرهون ستالين الذي اتهمهم بمحاولة اغتياله واغتيال مجموعة من القادة السوفييت ما بين (1951 – 1953)، بما عرف بـ {مؤامرة الأطباء» التي وجه فيها أصابع الاتهام الى مجموعة يهوديَّة في روسيا ليحاكمها ويصفيها، وقد عدّها اليهود حلقة جديدة في معاداة الساميَّة التي باعتقادهم ترجعُ الى عهد القياصرة الروس، ولهذا تجد أنَّ اليهود يكرهون النظريات القوميَّة العرقيَّة المتطرفة، مع العلم إنَّهم نشأوا على أساس النظريَّة القوميَّة الصهيونيَّة المتطرفة بعد مؤتمرٍ للحركة الصهيونيَّة في مدينة بازل السويسريَّة عام 1897 وتحولوا من وجودٍ ديني الى تكتلٍ قومي اتجه صوب فلسطين من الشتات بعد أنْ استند الى حججٍ واهية على أنَّها أرضُ أجدادهم العبريَّة ليعتنقوا عن عمدٍ نظريَّة عرقيَّة تصفي الآخرين، لكنْ هذه المرة بمباركة الغرب الذي كان عدواً للنظريَّة النازيَّة وقهرها، إلا أنَّه دعم العرقيَّة الصهيونيَّة، ومن جانبٍ آخر اعتنق أغلب اليهود الشرقيين الذين قطنوا في دول أوروبا الشرقيَّة قبل هجرتهم الى فلسطين النظريَّة الاشتراكيَّة ومن ثم الشيوعيَّة وكانت أفكارهم واضحة في هذا المجال، حتى أنهم اعتمدوا نظاماً اشتراكياً في أغلب مستوطناتهم وأداروا اقتصادها بتعاونيات فلاحيَّة عماليَّة هيمن عليها الفكر الاشتراكي، وما إنْ تأسست دولة (إسرائيل) على الأرض العربيَّة الفلسطينيَّة أصبحت الأحزاب والاتجاهات الاشتراكيَّة العماليَّة رائدة العمل السياسي ووصل منها قادة الى رئاسة الوزراء أمثال بن غوريون وغولدا مائير وليفي اشكول وآخرين، إلا أنَّهم ساروا باتجاهٍ مغايرٍ تماماً للشيوعيَّة، بل عادوها واتجهوا نحو الغرب وبخاصةٍ أميركا.
بعد هذا العرض هل يمكن أنْ يظهر في (إسرائيل) هتلر أو ستالين؟! ففي طبيعة الحال يُعدُّ نظام (إسرائيل) البرلماني الديمقراطي متقدماً منذ تأسيسها مقارنةً بالأنظمة العربيَّة حيث تتداول الأحزاب السلطة بشكلٍ سلمي ديمقراطي على الرغم من حروبهم المستمرة مع الدول العربيَّة وفيها صحافة ورأيٌ عامٌ ناقدٌ لاذعٌ واضحٌ وفضائيات حرة ربما خضعت لبعض المضايقات مع اشتداد موجة الصراع واضطراب الجبهة الداخليَّة إلا أنها كانت خاضعة لقرارٍ جماهيري واحدٍ هو الإبقاء على الشكل الديمقراطي مهما حصل، وأعتقد أنَّ هذا الأمر هو من أبقى (إسرائيل) المغتصبة لفلسطين الى يومنا هذا؛ لأنَّ اليهود القاطنين فيها مجموعات عرقيَّة جاءت من مختلف الدول يجب أنْ يسودَ بينهم الرضا والقبول بالنظام حتى لا ينفروا ويعودوا هاربين من أرضٍ جاءتهم هبة ممن لا يملكها وهي بريطانيا بوعدها المشؤوم «بلفور» عام 1917، وهذا الأمر شكل ضغطاً كبيراً للغاية على صانع القرار الإسرائيلي الذي يحتاجُ الى جبهة داخليَّة متماسكة وقويَّة في أثناء
الحروب.
وقد فهم المقاوم الفلسطيني ذلك جيداً وأدركه وراح يضرب ويضغط من أجل التحرير، فاليهود ما أنْ تسقط رشقات الصواريخ عليهم يولوا هاربين عائدين الى بلدانهم الأصليَّة في هروبٍ جماعي قد يؤدي الى انكسار جبهتهم ومن ثم إسقاط دولتهم التي بدت هشة بعدما أدركوا أنَّ الفلسطينيين لا يستسلمون وسيقاومون، فما العمل إذاً؟.
إنَّ حيرة القيادة الإسرائيليَّة وقلقها بهذا الشأن والضغوط التي تواجهها لإحكام قبضتها على الداخل سيؤدي حتماً الى ولادة تيارٍ متطرفٍ عرقي قومي يقوده متطرفون ربما قوميون جدد أو دينيون وها هو بنيامين نتنياهو يعبر من خلال هستيريا واضحة عن رغبته أنْ يصبح هتلر أو ستالين مع قبضة حديديَّة يواجه بها مقاومة شعب لا يزال يطلب
أرضه.