المضارب والمتضرر

آراء 2023/12/17
...

  بشير خزعل

استمرار المضاربة بأسعار الدولار من قبل السماسرة وبعض مكاتب الصيرفة وتجار العملة أضر بالمواطن العراقي بشكل بالغ مع استمرار غياب الحلول الجذريَّة لهذه المشكلة، أكبر المتضررين هم المسافرون للخارج والمقيمون والطلبة الدارسون في الجامعات الاجنبيَّة، إذ أصبح شراء الدولار بالسعر الرسمي لغرض السفر أو إرسال الحوالة أو دفع أجور العلاج والدراسة معضلة مذلة بالغة الأسى، في ظاهر قرارات البنك المركزي انها تسهل مهمة المواطن، لكن على ارض الواقع، البنوك الحكومية والاهلية ومكاتب الصيرفة المجازة تذل المواطن من اجل بيع الدولار بسعر الصرف الرسمي، تجمهر وزحام يتطلب الحضور منذ ساعات الصباح الاولى وقبل ان يأتي الموظفون إلى مكاتبهم، فوضى تلبس ثوب نظام لا وجود له في المصارف العراقية، تماماً كمن يمسك بذيل الأفعى بدلاً من رأسها، زيارات أنيقة لمكاتب مؤنقة تتظاهر بسهولة الاجراءات أثناء زيارات المسؤولين داخل مطار بغداد الدولي، أما تجمهرات المواطنين على ابواب المصارف في بغداد وضواحيها فحدث ولا حرج، ولتلافي الاحراج، بادر البنك المركزي إلى فتح منصة الكترونية لغرض الحجز من قبل المسافرين على شراء الدولار، واصبحت هذه المنصات متاحة ليوم أو يومين وتغلق ليومين أو ثلاثة بسبب الزخم الحاصل عليها كما تعلن المصارف الحكومية والاهلية وكذلك الشركات المجازة، وعلى ما يبدو أن أصحاب القرار والمشورة والخبراء أمام مشكلة ارتفاع سعر الدولار قد وصلوا إلى طريق مسدود بعد أن استنفدوا جميع ما لديهم من إمكانات متواضعة، وليس معيباً ان تستقدم الحكومة خبراء متخصصين بالسياسة النقديّة من الخارج  وكما تفعل دول كثيرة تستقر عملتها الوطنيّة أمام العملات الاجنبيّة منذ اكثر من 30 عاما مضت، وبرغم أنّها لا تملك ما يملكه العراق من ثروات ووارادات هائلة، اتــفــاق البنك المـركـزي العراقي وممثل البنك الفيدرالي الأميركي بـشـأن تـعـزيـز أرصـــدة المــصــارف العراقية بــالــدولار وزيـــادة عـددهـا، ليس بالضرورة ان يكون حلا شافيا يمكن ان يسهم باستقرار سعر صرف الـدولار ويقلل من تأثير السوق الموازية المنهمكة بالمضاربات، فهو ايضا حل ترقيعي لن يحل المشكلة، فمن سيضمن ان هذه المصارف سوف لن تعاود احتكار الدولار من جديد، ومن سيضمن ان البنك الفيدرالي لن يتنصّل عن وعوده في حال حدوث أي مشكلة سياسيّة أو أمنيّة، اذا كانت السلطة النقدية العراقية تمسك باحتياطيات العملة الأجنبية كما يقول المستشارون في البنك المركزي العراقي، وهي الأعلى في تاريخ العراق المالي، كأعلى احتياطي للعملة الأجنبية، وما موجود من عملات اجنبية احتياطية تكفي لـتـجـارة الــعــراق لمدة تزيد على خمسة عشر شــهــراً، فـي حـين أن المعيار العالمي هو ان تكفي لثلاثة أشهر، ومع وجود وفرة نقديّة أجنبيّة بهذا الشكل، فلماذا هذه  الشحة والاجراءات المهينة ببيع الدولار للمواطن البسيط، من هو المستفيد الحقيقي من بقاء هذه اللعبة التي سيتجاوز عمرها اكثر من عام وجنى منها تجار الأزمة مليارات الدولارات، على البنك المركزي والقائمين على تسيير أموره معالجة وضع الناس في الخارج أولا، مرضى وطلاباً ومقيمين ومعيلين، ومن ثم البحث عن ترتيب عمل وملاحقة الشركات والمكاتب التي تضارب في سوق العملة، من 150- 250 مليون دولار حجم مبيعات البنك المركزي من العملة الاجنبية يوميّاً، هل تذهب جميعها للاستيراد؟
ام يذهب نصفها للمضاربين ويشح البنك على المواطن البسيط في مبلغ سفر لا يكفي لشراء تذكرة طائرة لاربعة أو ثلاثة اشخاص، فكيف اذا كان مضطرا للعلاج بمبالغ كبيرة، أكثر من 85 % من طلب العملة الأجنبية يتم عبر المنصة الخارجية التي يديرها (البنك المركزي العراقي) حسب تصريحات المسؤولين أما السوق المـوازيـة فلا تشكل إلا 15 % من سوق المضاربين، مهانة الإجراءات في شراء الدولار لن يؤدي الا إلى مزيد من ارباح المضاربين على حساب مصلحة المواطن المتضرر بشكل دائم.