غازي فيصل
تعد حرية الرأي هي العمود الفقري للحريات في النظام الديمقراطي في أية دولة من دول العالم المتقدم، وهي ضرورة من ضروريات الحياة، والركيزة الأساسية، وحجر الزاوية في المجتمع الديمقراطي، وحرية الرأي ضرورة حتميَّة لممارسة العملية الديمقراطية، لأنها تمكن أصحاب الرأي من انتقاد السلطة الغارقة في الفساد، وتتيح إمكانية تغيير الواقع السياسي بطرق منطقيّة، وعقلانيّة من دون الانجرار إلى مرحلة العنف، واستخدام القوة.
كما شكّلت حرية الرأي والتعبير مصدراً مهماً للتحولات التاريخيّة وتحقيق منجزات بشريّة قادت إلى وجود أنظمة سياسيّة قادرة على الانخراط في عملية تحديث مستمرة لأدواتها، بهدف تعزيز اندماج الفئات المجتمعيّة المختلفة في إطار كيان سياسي ثقافي قابل للتعدديّة والاختلاف وقبول الآخر، لا ينكر على أفراده حرياتهم وحقوقهم.
أما النظام الديمقراطي فيميل إلى السير في اتجاه نظم استبداديّة أقسى من أي نظام استبدادي قاساهُ الجنس البشري من قبل، استبداد فرد واحد على الجميع، أو استبداد الأغلبية على الأقلية، أو استبداد الكل على الكل، وهذا التناقض الكامن في الديمقراطية، ورفع هذا التناقض يتطلب الأمر، فهم تلك الصفات المميزة للديمقراطية التي تهددها بمخاطر الاستعباد والاستبداد، ثم اكتشاف الطرق الكفيلة بمواجهتها والتحكّم فيها من دون الخروج عن النطاق الديمقراطي وتعزيزه بحرية الرأي والتعبير ضمن الضوابط والمعايير الأخلاقية.
لا يختلف العقلاء أنّ حريّة الرأي والتعبير حق أساسي من حقوق الإنسان في جميع المجتمعات، ولكن ليس من حق الإنسان أن يفتري، أو يشتم، أو يسيء للآخرين باسم حرية التعبير عن الرأي.
قد تجعل الواقع أشد مرارةً لأنَّ الخلافات السياسيّة والعقائديّة اذا طغت على واقع الحياة السياسيّة، وعند ذلك لا يتحقق اعتراف بالآخر.
وعندئذٍ قد يحل العنف محل قبول الآخر وربما يصعب التطلع إلى نظام ديمقراطي حقيقي وصحيح من دون ضبط العلاقة بين مفهومي الديمقراطية والحرية لأنَّ لكلٍّ منهما حقله ودلالته ومرجعيته.
وهما يتداخلان في كثيرٍ من الأحيان، ولكن من دون أن يتطابقا أو يترادفا أو أن يؤدي أحدهما المعنى المتضمن في الآخر.
فالحرية أوسع نطاقاً من الديمقراطية، وأكثر شمولاً. الديمقراطية محدودة بحدود النظام السياسي، من حيث هو ترتيب مؤسسي وإجرائي يقوم على مقومات تبدأ من حق المواطن في الترشيح والانتخاب والتعبير وتكوين الأحزاب والمنظمات والتنافس الحر، والتظاهر والإضراب والاعتصام. ولكن هذا الحق قد يكون فارغاً من المضمون إذا لم يتحرر المواطن من أي قيد يمنع ممارسته أو يؤثر فيها أو يحول من دون انتاج ما يترتب عليه في مجال العلاقة مع الحاكم أو السلطة.
والديمقراطية، في هذه الحدود، تغطي المساحة المرتبطة بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم في الأساس، وتمتد إلى العلاقة بين المحكومين بعضهم بعضا على الصعيد السياسي.
إذن الديمقراطية في العراق رغم أهميتها وضرورتها، فإنّها لاتحمل كل الإجابات، فأسئلة الوضع الراهن السياسي والاقتصادي، والبنية الاجتماعية المتشابكة والمعقدة، واحتياجات الناس للأمان والاستقرار، وشعورهم بالاطمئنان إلى مستقبلهم لا يمكن أن تصنعه الانتخابات وحدها، وحتى لو كانت نزيهة مئة بالمئة، بل يتطلب عملاً تشاركياً فاعلاً ومستمراً وصولاً لإرساء قواعد ديمقراطية ومساحات مدنية تضمن ممارسة حرية الرأي والتعبير من دون خوف أو قيود.