إعلامٌ مهني أم إعلامٌ بالبركة؟

آراء 2023/12/20
...

 محمد علي


لعلَّ أهم ما يلاحظ في التقارير الإعلامية المرئية والمكتوبة المتعلقة بالظواهر الاجتماعية في العراق، هو: المبالغة في عرض الموضوع والطهرانية في تناوله. 

بالخصوص أن كانت موضوعات التقارير متعلقة بالجنس والفقر.

إنَّ الجهات المعدة للتقارير الإعلاميَّة، لا تجد غضاضة في عرض مواد التقارير وكأنّها حقائق مطلقة، فلا تتحرى الصدق فيها ولا تبقى متابعة لها - ما معنى أن يسلط الضوء على قضية ما دون متابعتها ودون تصحيح ما يعتريها من خطأ؟-، وتقدم نفسها وكأنها جهة مسؤولة عن بث رسائل إنسانيّة رفيعة - نوعها وشكلها ومضمونها مرتبط بمصادر التمويل- في وجدان العراقيين، ولا تلتزم بأبسط القواعد المهنيّة في العمل الإعلامي، أعني قاعدة «عرض الحقيقيّة كما هي».

وأسباب هذه الظاهرة عديدة، أهمها:

أولاً: تحزب المؤسسات الإعلاميّة بأيديولوجيات مختلفة، تشترك جميعها، في اعتبار أن «الوطنيّة» لا تعد سوى حاجة ثانوية في التأسيس لوعي اجتماعي- إنساني عراقي. 

ثانياً: السعي الفعلي لتزويق الواقع العراقي المزري أو العكس، أي السعي الفعلي في نشر القباحة والإباحة، ويرتبط هذا السبب الأخير بجهات متضاربة المصالح بعضها يحاول تقليد الإعلام الغربي في طرح القضايا الاجتماعية، وبعضها الآخر يحاول متعمداً نشر الفساد الاجتماعي.

لستُ أدّعي أو أودُّ القول بإمكان وجود مؤسسات إعلاميّة مستقلة تماماً، لكنني أرغب بالتأكيد على أنّه بالرغم من توفر المال والمعدات التقنية والمناخ الثقافي الجيد نسبيّاً للعمل الإعلامي، إلا أنّ المعنيين بصناعة المشهد الثقافي - الاجتماعي في العراق منشغلون ببيع الضمائر أو مصابون بالكسل أو ناذرون أنفسهم كطبّالين للدين والعشيرة والحزب.

ولما تقدم، أصبح بإمكاننا أن نفهم ما معنى إقحام مفردة «أصيل» وتوابعها ومشتقاتها اللغويَّة في أي تقرير إعلامي وبغض النظر عن موضوع التقرير، إذ تستخدم هذه المفردة في تقرير يتناول ظاهرة «الطلاق» وفي تقرير آخر يتناول ظاهرة «التسول» وفي تقرير ثالث يتناول «الدولمة» العراقية الأصيلة.... على اعتبار أن براءة اختراع البهارات وباقي مكونات الدولمة براءة اختراع عراقية بامتياز!! 

وواحدٌ من أسباب التناول الإعلامي السطحي للقضايا الاجتماعية، هو التكوين العلمي - المهني المتواضع للإعلاميين العراقيين، وهذه مشكلة يعاني منها أغلب المشتغلين في الوسط الثقافي العراقي أيضاً وأسبابها عديدة.

ما معنى تكرار هذه اللازمة في كل تقرير إعلامي «هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا العراقي...»، غير أن قائليها يجهلون أبسط حقائق علم الاجتماع والتي تتلخص في «أن المجتمعات ليست شبيهة بالبناء الجامد، وإنما هي كيانات حيَّة دائمة الحركة والتغيّر».