عباس الصباغ
يتمادى البعض في الغلوّ المفاهيمي بأن يجعل من الكراهية ايديولوجية ومعيارا أخلاقيا ويسوّق لها على أنّها هي الحقيقة التي يجب اتباعها، والحقيقة هي خلاف ذلك لأن الكراهية لم تكن يوما أسلوبا صحيحا للحياة او أنموذجا إنسانيا وأخلاقيا مفضّلا في التعامل مع الآخرين لأنّها تعدّ خللا بنيويا واضحا وثغرة اخلاقية وفجوة سايكولوجية وانحدارا مريعا في المنظومة الاخلاقية والجمالية والمعرفية والمفاهيميّة للإنسان وتعديا على حقوق المواطنة والتعايش السلمي والأهلي والإنساني والذي يجعل المواطنة الفعالة والانسانيّة الحقّة معيارا إجرائيا ضمن تراتبيّة انساق العقد الاجتماعي، فالكراهية هي إلغاء متعمد لهذا العقد المنظّم للعلاقات بين المواطن والدولة وبين المواطن والمجتمع، وهي انحراف صارخ للعقد الانساني المنظّم للعلائق بين الانسان وأخيه الانسان وفق الشرائع والمواثيق الدينية والوضعية وحسب المبدأ الانساني (احبب لأخيك ما تحبّ لنفسك)، فالكراهية شعور سايكولوجي منحرف ينبئ بالعداوة والاقصاء وإلغاء الآخر المختلف، فالاختلاف الآيدولوجي أو السياسي أو الثقافي ليس مدعاة لانتهاك حقوق الآخرين بل على العكس من ذلك تماماً انطلاقا من قوله تعالى (لا إكراه في الدين)، وهي لم تكن يوما ما ثقافة او ترويجا إنسانيا متوازنا تشي بعقلية منفتحة او تدلّ على ضمير إنساني حيّ يقبل بالتسامح والتعددية وتقبّل الآخر أي آخر كان، فهي تقود الى التعصب الذي يتضمّن الرغبة في الإقصاء والإلغاء والتهميش والحطّ من قدر الآخر، ويُصبح التعصّب خطراً حين ينتقل من التفكير إلى التنفيذ فيتحوّل إلى التطرّف المسبب لأغلب المجازر التي أُزهقت فيها ملايين الأرواح، وشنّت الحروب واندلعت النزاعات الدامية القائمة على ثقافة الكراهية، وهكذا تظهر الكراهية والانتقام والثأر كعناصر للقيام بالفعل السيئ ضدّ الآخرين والتاريخ زاخر بأمثلة لاتعد ولاتحصى بذلك من عهد هابيل وقابيل الى أن تقوم الساعة.
وفي 18 / حزيران من كل عام يتم الاعلان يوما دوليا لمكافحة خطاب الكراهية من أجل الاقرار بضرورة مكافحة التمييز وكراهية الآخرين، ويدعو جميع الجهات الفاعلة إلى زيادة الجهود للتصدي لهذه الظاهرة التي تتنافى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الجنائي، اذ يجب حظر وتجريم الكراهية التي تمثّل تحريضاً على التمييز العنصري أو العداوة أو العنف وفقاً للمعاهدات والصكوك والالتزامات الدولية.
وفي الوقت الراهن تتجلى ثقافة الكراهية في اوضح صورها المعاصرة كآيديولوجية وسلوك في التعامل الظالم والبربري للكيان الصهيوني في تعامله الوحشي واللا إنساني مع سكان غزة والدمار الهائل الذي تم إلحاقه بالمدنيين العزل وقتل آلاف الاطفال والنساء وكبار السن وحرمان الناس من أبسط متطلبات الحياة مع التدمير الهائل وغير المسبوق للبنى التحتيّة، والاستهتار بكل القوانين والمواثيق الدولية التي تحض على احترام حقوق الانسان، بل التعامل معهم على أنهم (حيوانات بشرية) وهذا «المنطق» المنحرف يمثّل القمة في الكراهية والانحطاط التي تمأسست بموجبه اسرائيل، فضلا عن الاستمرار الرافض لرغبات المجتمع الدولي من أجل رفع معاناة هذا الشعب الذي ما زال يتعرّض للإبادة والظلم منذ ان احتلت العصابات الصهيونية أرضه وشرّدت شعبه وما زالت الكراهية هي القانون الذي تتعامل بموجبه مع هذا الشعب وما تزال.