محمد صالح صدقيان
منذ فترة ليست بالقصيرة تدور جملة أسئلة بشأن طبيعة العلاقة بين إيران وأصدقائها في المنطقة، وتحديداً اولئك المنضوين في إطار «محور المقاومة» الذي أنشأته ايران لتنفيذ مشروعها الرامي لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي والتواجد الامريكي الذي تعتقد به القراءة الايرانية بأنه ليس له أي هدف سوی دعم الاحتلال والحفاظ علی أمنه القومي ومصالحه بعيداً عن امن واستقرار المنطقة ودولها وشعوبها.
هذه الأسئلة كانت اكثر دقة بعد السابع من اكتوبر علی خلفية عملية «طوفان الأقصی» التي نفذتها حركة حماس ضد الاحتلال في غلاف غزة؛ وما رافقها من تحرك عسكري لعناصر المقاومة في لبنان والعراق واليمن وسوريا.
هل ان هذه العناصر تتحرك بأمر من طهران؟، هل هي تحارب بالوكالة؟، هل هي ايدي طهران تحركها متی شاءت استناداً علی مصالحها وعلاقاتها مع الاقليم والغرب؟، هل هي دكاكين ايرانية تفتح متی شاء صاحب البازار لعرض بضائع جديدة او خدمات مدفوعة الثمن؟، وبطبيعة الحال فإنّ الأجوبة علی هذه الأسئلة وغيرها التي تدور في هذا الاطار تكون بـ «نعم كبيرة» عند الاوساط التي تختلف مع المشروع الايراني ومشروع «محور المقاومة»؛ وهي عند هذه الاوساط من المسلّمات التي لا تقبل القسمة علی اثنين.
لكن ما يتحدث به اصحاب الشأن من الايرانيين ومن غيرهم من قيادات المقاومة ينقلون صورة أخری تختلف عمّا يتم تناقله لرسم صورة العلاقة بين طهران واصدقائها في المنطقة.
هذه الاشكالية وان كانت معقدة في الاجابة عنها لكنها محاولة لرسم صورة العلاقة خصوصاً عندما تكون من اهل الدار وللاخر حرية التفكير بمصداقيتها الواقعية.
مصدري شخصية مطلعة علی طبيعة العلاقة مع عناصر المحور؛ وأثق بمعلوماتها لقربها من قيادات هذا المحور؛ وهي ليست عابرة او متطفلة او بعيدة عنه وانما منخرطة في هذا المحور منذ عقود.
سألته أولا عن موقع فيلق القدس التابع للحرس الثوري من المحور؟
اجاب بكل وضوح؛ هي الجهة الرسمية التي اوكلت لها مهام العلاقة مع عناصر المحور من قبل النظام السياسي في ايران؛ وهي التي تشرف علی طبيعة المشروع الايراني الاقليمي الذي يستند إلی قاعدة مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ومواجهة التواجد الاجنبي في المنطقة وتحديدا الامريكي الذي لا ينظر لمصالح دول وشعوب هذه المنطقة الا بالعين الاسرائيلية، ولذلك – يضيف محدثي – نعمل من اجل امن واستقرار هذه المنطقة ولانستحي من أحد عندما نقول إنّنا نريد شرق اوسط جديد يستند إلی مصالح شعوب ودول هذه المنطقة؛ ونعتقد ان وجود كيان الاحتلال لايخدم الامن والاستقرار في هذه المنطقة الغنية بالموارد البشرية والمالية والعوامل الجيوسياسية والجيوستراتيجية.
شكرته علی هذه الصراحة والشفافية قبل أن أقول له ان مثل هذا الطريق مكلف ومتعب وتنتابه عديد المخاطر وقد لا يصل لنتيجة تخدم شعوب هذه المنطقة، ناهيك عن ايران ذاتها! قال هذا صحيح وايران دفعت وما زالت تدفع ضريبة باهظة لتحقيق أهدافها.
قاطعته بالسؤال عن مصير شعوب المنطقة التي تسير بهذا الطريق؟، قال أين أخطأت إيران عندما دعمت المقاومة اللبنانية لتحرير أرضها من الاحتلال الاسرائيلي؟، وأين أخطأت إيران عندما دعمت الشعبين العراقي والسوري لمواجهة الحركات الارهابيّة والتكفيريّة التي أرادت القتل والدمار والتقسيم والفوضی في المنطقة؟، وأين أخطأت عندما دعمت اليمنيين لنيل حقوقهم والدفاع عن أرضهم وعودة الهدؤء والاستقرار لبلدهم؟، قلت له ربما تكون هذه الأفكار مختلف عليها في الدول التي ذكرتها تحديدا.
قال أبداً.
إنّ شعوب وحكومات هذه الدول هي التي دعتنا للتواجد معها في الميدان من أجل مواجهة التحديدات الستراتيجية التي واجهتها.
تصور ما الذي كان يحدث اذا كان تنظيم داعش الارهابي يسيطر علی سوريا والعراق بدعم اقليمي ودولي؟، ما هي انعكاساته علی دول المنطقة.. لبنان.. ايران.. تركيا وحتی الاردن والدول الخليجية؟، ألم تشكل الولايات المتحدة التحالف الدولي لمواجهة الارهاب؟، ما الذي فعله الشهيد قاسم سليماني غير ذلك؟
ألم يحارب الارهاب؟، لماذا تم استهدافه؟، لأنه وبكلام مختصر أراد مواجهة الارهاب وفق مصالح المنطقة وليس علی المقاسات الامريكية!.
كان عليّ أن أسأله عن سؤالي الاساس بشأن طبيعة العلاقة في «محور المقاومة»، وتحديداً بين إيران واصدقائها في هذا المحور قبل ان ينتهي وقت اللقاء. قال بأنّه سيكون واضحا بهذا الجواب لاعتبارات متعددة ترتبط بالوضع الاقليمي والدولي؛ وزاد؛ هذه العلاقة تعتمد علی أسس:
اولا؛ هي ليست علاقة سياسية وانما علاقة ايدولوجية فكرية اعتقادية تعتمد علی متبنيات دينية وسياسية وحضارية.
ثانيا؛ عناصر المحور تتبنی فكرة المواجهة مع اسرائيل والسياسات الامريكية في المنطقة وهي تعاني كما نعاني نحن من هذه السياسات منذ عقود ولربما قبل ان تولد الجمهورية الاسلامية. ثالثا؛ طبيعة هذه العلاقة ليست علاقة رئيس بمرؤوس؛ ولا علاقة قائد عسكري بعنصر بمعكسر علی قاعدة «نفذ ثم ناقش»؛ كما أنها ليست علاقة مصالح شخصية او حزبية او فئوية.
إنها علاقة استراتيجية من التعاون وفق المصالح التي تخص الجميع؛ وتخصع الأهداف العليا في المنطقة؛ وتستند إلی قاعدة دراسة «تقدير الموقف» الذي ينسجم مع طبيعة الميدان الذي يخص كل عنصر من عناصر المحور الذي يتخذ بموجبه القرار الذي يخدم وضعه الميداني ويخدم الاهداف العليا التي تخص المحور.
كيف يكون التحرك؟ ماهي أهدافه؟، بأي مستوی؟، علاقته بالمواقف الوطنية لهذا البلد او ذاك؟ هذه القضايا متروكة لكل فصيل يعمل ما يراه مناسباً وفق «تقدير الموقف» الذي يرسمه لتحركه الميداني.
هذا الإطار الذي نتحرك جميعا في داخله لتحقيق أهدافنا التي هي أهداف مشروعة لتحقيق مصالحنا في المنطقة.
وجدت محدثي هذه المرة منشرحاً أكثر مما كنت أتوقع لكني أعتقد بانّي أستطعت ان أخذ منه ما يستطيع ان يخدم الفهم المتواجد في منطقتنا.