أ.د علي الجبوري
حظي موضوع العقل ومفهوم السلوك والعلاقة العضوية بينهما باهتمام الفلاسفة والمفكرين والباحثين والمهتمين في علوم الفلسفة والاجتماع وعلم النفس، وخوض غمار الغور بالبحث في أعماق الذات البشرية والتكوّن البايولوجي، وطبيعة قوة العلاقة بين التركيبة النفسية والبيئة الاجتماعية والتكون البايولوجي، من جهة في محاولة جادة علمية للتوصل إلى معرفة قوى التجاذب.
وقوى التنافر بينهما وآثارهما في الإنسان، ومن ثم معرفة حقيقة إشكالية تلك العلاقة المترابطة بين العقل من جهة، والسلوك من جهة أخرى، ومن أجل الغوص في هذا الموضوع الأخلاقي الحيوي، لا بد من التعرف على مفاهيم المفردات الفلسفية محل البحث، فالعقل مجموعة من القوى الإدراكية المتضمنة للمعرفة والتفكير والحكم والذاكرة، أو الملكة الشخصية للذات البشرية الفكرية والإدراكية، التي لديها القدرة على التخيّل والتمييز، وهو المسؤول عن معالجة المشاعر والانفعالات، التي تؤدي إلى صياغة الأفعال والمواقف، وتكمن أهميته في التمييز بين الصواب والخطأ.
ومفهوم العقل في الفلسفة يرى الفيلسوف اليوناني أرسطو أن العقل أداة النفس، التي تقود الإنسان إلى اليقين وتساعدها في فهم الأشياء الكلية، أما الفيلسوف اليوناني أفلاطون، فيرى أن العقل أداة فاعلة تدلُّ الإنسان إلى معرفة الحقيقة، ومفهوم ارسطو في تقديري هو الأساس الفكري لمنهج الديكارتية في العقل النقدي، وعليه يعتقد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أن العقل شيءٌ يختلف استخدامه بين البشر من شخص إلى آخر، وينطوي على أفكار فطرية وحقائق أصلية في صميم بنيته، في حين يعتقد الفيلسوف الألماني عمانؤيل كانت إنَّ العقل مصدر الأخلاق، أما ما يتعلق بالشق الثاني من عنوان البحث المختزل أي السلوك فهو مفهوم ينساق إلى مجموعة أفعال الكائن العضوي الداخلية والخارجية في جوهر التفاعل بين الإنسان والبيئة الاجتماعية، أو هو كل ما يصدر عن الإنسان من نشاط عقلي اما مفهوم الباحث للعقل فهو البوصلة المركزية المعنية بتوجيه السلوك الذاتي في القول والفعل والموقف.
ويعتقد الباحث في مفهومة للسلوك: السلوك هو دالة عملية للقرارات، التي يفرزها العقل وهنا تبرز العلاقة العضوية بين الواقع المادي والعقل والسلوك كمتلازمة ثلاثية الأبعاد، إذ إن الواقع المادي عاملٌ متغيّرٌ ومؤثرٌ مباشرٌ لاستشعار العقل ودفعه للتصرف كسلوك
فعلي.
وإذا ما تمَّ إسقاط هذه المفاهيم بمضامينها الأخلاقية على الفرد والمجتمع، نكتشف أن هناك علاقات متباينة تتراوح بين القواعد الطردية والعكسية، تخضع لأحكام عمق التجارب في الحياة فهناك ذات متقدمة في العمر.. تتميز بعقل ناضج وسلوك إيجابي قويم، وقد يحصل العكس تماما عند إخضاعه لمعيار السلوك والتصرف، فنجد سلوكياته وتصرفاته المنبعثة مليئة بالتناقضات المحيرة، وتتسم بضرب من العبثية وروح التمرد والمخالفة واللاعقلانية، من دون أسباب وتبريرات معقولة، وتعكس هذه الحالة تعبيرا عن خلل سايكولوجي وسيكوباتية مفرطة وهو ما يمكن وصفه.. بالسلوك المذموم.. لخرقه وعدم اكتراثه بالقواعد الاجتماعية والأخلاقية، وعادة ما تتصف هذه الذات بسلوك سلبي منفلت، لا تستطيع عنده الذات التحكم في سلوكياتها في التعامل مع الآخرين.
إن فن السلوك الإيجابي يطلق طاقة إيجابية في التصرف، وتجعل العقل مليء الغبطة والانشراح والانفتاح على الآخرين، بعيدا عمَّا يعرف بمفهوم القطبية، الذي يجعل الذات ترى الأشياء بنظرة أحادية سلبية أو إيجابية بدوافع مزاجية متقلبة، تعبيرا عن حالة اللا استقرار الذاتي، نتيجة اللا توازن العقلي، اما السلوك السلبي فعادة ما يطلق زفراته كطاقة السلبية وتظهر على الذات الخارجية ملامح المشاكسة والعنت الأجوف والرؤية العرجاء، والفضول المنبوذ، نتيجة السوداوية الطاغية والنظرة المحقونة بالتشاؤمية والمعمقة بالنفور والتأفف الدائم، وتضخيم الصغائر والهوامش من الأمور حينها تتكرس النزعة النرجسية المنفرة الفارغة والرؤية
العدمية.
إن الحلول الناجعة لمثل هذه الانتكاسات السايكولوجية، يكمن في تحقيق انطلاقة حيوية ومحق استعصاء التغيير، واعادة النظر في الحسابات الشخصية، بعد أن تعثر الذات على أسباب العوق والانتكاسة والتغلب على مشاعر الهزيمة.