هجمة دستوريَّة

آراء 2023/12/25
...

علي الخفاجي
مما لا شك فيه أن الدستور يعد أهم وثيقة في حياة الشعوب، فهو وحسب تعبير خبراء القانون الدستوري يسمى (ابو القوانين) حيث يعتمد عليه بسن جميع القوانين وبصورة عامة إذا ما تمت كتابة دستور ما لا بد من توافر شرطين رئيسين
 أولهما توفر البيئة المناسبة لكتابته، من حيث الإستقرار التام للأوضاع العامة والشرط الثاني هو الوقت الكافي لإعداده دون استعجال، نتذكر جميعاً الكيفية، التي أعـُدَ فيه الدستور العراقي، فلم تتوفـر حين كتابته ومناقشته البيئة المناسبة فالاوضاع العامة والفوضى والغليان الشعبي كان يسود تلك الفترة، حيث إن البلد كان يمر بفترة انتقالية وهو خارج للتو من فترة الإضطهاد والعزلة الدولية إلى فترة الانفتاح،اما بالنسبة للوقت الذي استغرقه إعداد الدستور، فاعتبرت حينها الفترة الأسرع لإعداد مثل هكذا دستور، لأنه في كثير من الأحيان يستغرقُ سنواتٍ طوال، لأنه كما نوهنا ستعتمد عليه القوانين اللاحقة، وبالتالي سيلبي كثير من طموحات الشعب وتطلعاته.
لم يسلم الدستور العراقي من الانتقادات المتكررة على مدى السنوات الماضية من جميع أطراف المعادلة السياسية، وآخرها عندما أعلنت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بإنهاء عضوية رئيس البرلمان (محمد الحلبوسي)، ونتيجة لذلك وكـردة فعل لمح سياسيون وبرلمانيون تابعون لرئيس البرلمان السابق إلى وجود خللٍ في مواد الدستور، وبعض القوانين النافذة، وفي حال لم يتم تعديل القرار، ولم يتم الضغط على السلطة القضائية، فسنكون في حلٍ عنهُ في إشارة إلى الدستور، وكما أشار بعضهم إلى أنه وفي حال لم يعد الحلبوسي إلى مكانه الطبيعي كرئيسٍ للبرلمان، وفقا للدستور سيكون لدينا كلامٌ آخـر!، هنا أصبحت لغة التصعيد تأخذ منحىً آخر وبطبيعة الحال، تعدُّ نذير شؤم للعملية السياسية برمتها، وكذا الحال بالنسبة لما قاله السيد (قوباد طالباني) في معرض حديثه خلال المنتدى الرابع للسلام، الذي عقد مؤخراً في دهوك عند سؤاله عن استحقاقات كردستان المالية، فأجاب إن الدستور العراقي أصبح كقائمة طعام، في إشارة منه لوجود الكثير من المتعلقات المالية مع حكومة
بغداد.
إذن وبالمحصلة فإن الهجمة الكبيرة، التي تعرض لها الدستور العراقي في الآونة الاخيرة، هو نتيجة ما ذكرناه سابقاً من حيث سرعة إعداده وتشريعه ما جعله محط أنظار للانتقادات، وعليه إذا ما تم تعديل بعض بنوده المهلهلة من قبل مختصين، والتي تعدُّ حمالة أوجه وصياغته بصورة أكثر دقة، سيتعرض لمزيد من الهجمات والهزات التي لاتحمد عقباها، وستكون ارتداداتها كبيرة على البلد عموماً، وكما على القوى السياسية التخفيف من شدة الهجوم على القانون الأسمى الذي طالما احتكموا اليه.