القرارات السياسيَّة ومصالح البلد العليا

آراء 2023/12/26
...

  باسم محمد حبيب

لكل دولة من دول العالم سياسة خارجية تبنى على جملة من العوامل على رأسها: الإمكانات السياسيّة للبلد، إذ لا يخفى أن هناك تفاوتا بين بلدان العالم في ما لديها من إمكانات سياسية، وقد يكون هذا التفاوت كبيرا، مثال ذلك ما لدى الولايات المتحدة من إمكانات سياسية مقارنة بما لدى دولة من دول العالم الثالث منها

 كما قد يكون هذا التفاوت ضئيلا كما في الإمكانات التي تملكها غالبية الدول العربية والأفريقية، الأمر الذي يجعل لبعض الدول القدرة على إتخاذ قرارات صعبة أكثر من دول أخرى، فضلا عن التأثير الذي تحدثه القرارات، إذ نجده أكبر لدول أكثر من دول أخرى.

 ومن العوامل الأخرى التي تبنى عليها السياسة الخارجية للدول: الالتزامات الأخلاقية والإنسانية، فعلى الدول أن لا تتجاهل هذا الأمر مهما كانت الظروف والأسباب، ولكن في ذات الوقت يجب أن يتم التعاطي مع هذه الالتزامات بطريقة صحيحة، فيجري الإيفاء بها من دون تعريض مصالح البلد للخطر أو تخطي إمكاناته السياسيّة، لأن أمرا كهذا قد تكون له عواقب وخيمة على البلد والناس، فضلاً عن أن ما ينتج عنه قد لا يكون مفيداً بالقدر الكافي بالنظر إلى واقع البلد وظروفه وإمكاناته التي جرى تجاهلها عند اتخاذ القرار السياسي.

أما أهم العوامل التي لا يمكن لأي بلد التغاضي عنها وتجاهلها، فهو عامل خدمة المصالح العليا وعدم التعارض معها، فيكون التعامل مبنياً على مبدأ: كل شيء لا يخدم أو يحقق مصلحة ما يجب تجنبه، تلافياً عمّا ينتج عن ذلك من التسبب بضرر للبلد أو التقاطع مع مصالحه العليا، فلا يمكن - مثلا - مواجهة دولة بالامتناع عن شراء القمح منها إن كانت هي الدولة الوحيدة التي تصدره لنا، ولا يمكن قطع النفط عن دول معادية لقضية ما نساندها إن كان النفط هو المورد الوحيد للدخل لدينا، لأنَّ الضرر الناتج عن ذلك سيكون ضررا معكوسا.

 فموقف العراق من القضايا المختلفة يجب أن يبنى على هذا الأساس، أي أن عليه أن لا يخوض في أمور تتجاوز إمكاناته أو تتناقض مع مصالحه أو تتعارض مع التزاماته، وخير مثال على ذلك ما يجب أن يكون عليه موقفه من حرب غزة، إذ يجب أن يكون هذا الموقف صريحا ومتوازنا، فلا يتجاهل ظروف العراق أو التزاماته الأخلاقية والإنسانية، وعلى رأسها الوقوف إلى جانب شعب غزة الذي يواجه هجمة مغالية في قسوتها ووحشيتها من الطرف الإسرائيلي، وأن يكون هذا الدعم ملموساً من خلال العمل الجدي والفاعل على وقف المجازر ضد الشعب الفلسطيني الأعزل مع تقديم كل ما يلزم من المساعدات الإنسانية الضرورية له.