السلم العالمي

آراء 2023/12/31
...







  وجدان عبدالعزيز

لوحاولنا المقاربة بين ذات الإنسان وعاطفة الحب، لاتجهنا إلى صياغة علاقة الفرد بنفسه أولا، وثانيا علاقته بالواقع، كون الذات تنشأ من العلاقة بين الذات المدركة والبيئة المحيطة، أي هناك خطان يتقاسمان الذات الأول معرفة النفس، والثاني اكتشاف الواقع، وحينما يكتشف الإنسان ذاته يبدأ يحدد أهدافه وإمكانياته، فمثلا ديكارت يقول: (انا افكر، إذن أنا موجود)، بمعنى طالما الانسان يفكر واقعا لا يمكن إنكار الوجود، وقسّم وليم جيمس الذات إلى: الذات الروحية، وهي ملكات النفس ونزعات القبول والرفض، والذات المادية وتعني الممتلكات الفردية المادية، والذات الاجتماعية، وهي الكيفية التي ينظر بها الآخرون للشخص، وهناك ذات خاصة، ويقصد بها تيارات التفكير، لتكوين إحساس الفرد بهويته الشخصية، وهذه الذوات تشكل نظرة الفرد إلى نفسه، أو هي انعكاس لكل ما بداخله، الذي يمثل وجهته بالحياة، وبلا شك، فان الذات تتشكل نتيجة لعلاقة الفرد بالمجتمع والبيئة، وهذا يجعلنا نقرّب قضية الإنسان المهمة بحياته وهي الحب، كون هذه العاطفة تشكل مجموعة المشاعر المعقدة، التي تنتج عنها العديد من التصرفات، وتلك الأفكار المنسوجة بعواطف قوية تحكم الإنسان وتسيطر عليه، ولذا تتولد رغبة الشخص بحماية الشيء، الذي يحبه ويميل إليه، وهذا الحب لا ينحصر لشخص معين، بل يشمل الحب للحيوان وغيره، أو بحب شعور داخلي خاص كالحرية والاستقلالية، أو حب الذات نفسها، وهناك ما يعزز الحب.. ومن أمثلته الكون الفسيح وتناسقه وتناغمه، حيث لاتوجد كراهية، أو تنافر بين أجزائه، تَمثل هذا بقوله تعالى:(ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور) من سورة الملك.
وهناك نوع آخر من الحب يسمى الحب الغرائزي ونراه واضحا عند الحيوانات المفترسة ذات المخالب والأنياب، وهي تلاعب صغارها تتحول مخالبها إلى أنامل رقيقة، هناك نوع من الحب هو الحب المشروط كعملية الزواج، كأن يقول الزوج لزوجته أحبك اذا كنت زوجة مطيعة، وعكس هذا الحب هناك الحب الملتزم ويعتبر التزاما أخلاقيا، يقول الكاتب زعيم الخير الله: (هذا اللون من الحب، يختلف عن سائر الأنواع الأخرى انه ليس حبا طبيعا، ولاغرائزيا، ولاحبا تعاقديا، اي انه ليس صفقة، وانما هو التزام قيمي وأخلاقي بقيمة الحب، فالحب قيمة لاتتجزأ تمارسها مع العدو والصديق، وهناك مقولة للسيد المسيح (ع) حسب ماجاءت في انجيل متى 5 : 44 :(حبوا اعداءكم، باركوا لاعنيكم، احسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا للذين يسيئون إليكم ويطردونكم)، وفي لسياق نفسه يتحدث القران الكريم :(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، وهنا نعقد مقاربة للذات البشرية وقضية الحب، بقراءة الكتب السماوية ونتبنى ما فيها من عقود الحب بين البشر، لوجدنا ان خلق الإنسان وسر وجوده مرتبطان بالحب، فعلى ماذا يتحارب العالم؟ وجذر وجود الإنسان هو الحب، فلو سلك العالم الغربي في علاقاته العامة وسياساته، سبيل ما جاء في انجيل متّى، لاختفت العدوات والحروب، أو ماجاء به قرآننا الكريم، لما حدثت عدوات بيننا، ولا ظهرت بيننا الجماعات التكفيرية، والقتل على الهوية، ولكان عيشنا سعيدا بروح التعاون والعمل على السعي في سبيل حياة جميلة تخلو من سياسة التسليح وفرض الأوامر بالقوة والقتل، و(إن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية وغير قابلة للتصرف، فهي حق لكل الناس وفي كل مكان في العالم، وليس بوسع أي أحد أن يتخلى عنها طوعاً، كما لا يمكن للآخرين سلبها من أي شخص)، وان هذه الحقوق لا تقبل التجزئة لاسياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا، لأنها حقوق متأصلة وكرامة كل كائن إنساني، وانها تتمتع بوضع متساوٍ، كونها حقوق، فليس هناك حق صغير وآخر كبير كحقوق، لان هذه الحقوق توزع بين الأفراد بشكل متساوٍ بحكم الكرامة الإنسانية، حيث نص القانون الدولي لحقوق الإنسان على ما يلي: (يحق لكل الناس التمتع بحقوق الإنسان دون تمييز من أي نوع، من قبيل التمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الأصل الأثيني، أو العمر، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي، وغيره من الآراء، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الإعاقة، أو الملكية، أو مكان الولادة، أو أي وضع آخر، وحسبما توضح الهيئات المنشأة بموجب اتفاقيات حقوق
الإنسان.)، فحريٌّ بنا أن نحافظ على هذا القانون الدولي نصا وروحا، بحب وجمال، كي ننشر السلام ونعيش تحت خيمة الحب بسعادة..