دور الأمن السيبراني في تعزيز الاقتصاد الرقمي في العراق

آراء 2023/12/31
...






  عبد العظيم محمد الصالح *

اتسع نطاق الاتصالات خلال الفترة الحالية ليشمل بالإضافة للأفراد طيفاً واسعاً من الأشياء والآلات ومختلف جوانب الحياة. وأصبحت الاتصالات أساس كلِّ شيء في عالم يزداد ذكاءً، بما في ذلك دفع عجلة التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي. وستكون الاتصالات قريباً مورداً طبيعياً لكل زمان ومكان، تتوفر من خلال الشبكات التي باتت لديها إمكانيات استشعار احتياجات المستخدمين والتعامل مع التغييرات بشكل استباقي من خلال تأمين اتصالات ذكية سلسة وآمنة، لا سيما بعد ظهور تقنية الجيل الخامس (5G) التي بدأ معها فصلٌ جديد من قصص نجاح الشبكات.
تتقارب التقنيات الجديدة وتندمج في مجالات الاتصال، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الصناعية، مما يسهم في دعم الاتصالات الذكية الشاملة بين الأشخاص والأشياء والمعلومات على مستويات متعددة. وستساعد هذه التقنيات مختلف القطاعات على الارتقاء بإمكاناتها، وتمكينها من تسريع عملية الترقية الذكية.
وكان مجتمع تقنية المعلومات والاتصالات في العراق في حالة ترقب للإعلان بشأن وضع الأساس لإطلاق تقنية الجيل الخامس، حيث ستعمل هذه التقنية على تعزيز قطاع الاتصالات في الدولة بشكل كبير، والتي تعتمد التحول الرقمي كركيزة أساسية لتنويع اقتصادها. ويسهم تطوير البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، وزيادة الوصول إلى التقنيات، وتعزيز الاتصال بالإنترنت، وإنشاء إطار رقمي وطني في تمهيد الطريق لآفاق جديدة من تطور ونمو أعمال كافة القطاعات، ومن ثم الارتقاء بمستوى الخدمات العامة.
لكن الاندماج والتكامل المتزايد بين التقنيات الرقمية يترافق مع تصاعد مخاطر الأمن السيبراني المرتبطة بها.
وعليه، يجب على كافة الأطراف المعنية إعطاء الأولوية لتأسيس بنية تحتية رقمية مرنة بموازاة ترسيخ الأمن بغية تعزيز الابتكار والتقدم المستدام. كما ينبغي علينا أن نضمن ارتكاز الأساس الرقمي في العراق إلى الأمن في مختلف مفاصله بغية تعزيز التنمية الاقتصاديَّة طويلة الأجل.
لذلك، لا بُدَّ للعراق أن يضمن توفير استراتيجية تحول رقمي قائمة على أساس متين للأمن السيبراني. وهذا يتطلب الاستثمار في تطوير وتنفيذ سياسات ومعايير وأطر تنظيميَّة فعّالة للأمن السيبراني، وكذلك العناية الفائقة بتعزيز قدرات ومهارات وثقافة الأمن السيبراني بين المنظمين، والمشغلين، والموردين، وأصحاب المصلحة الآخرين في القطاعات المتخصصة.
تتطلب تقنية الجيل الخامس سريعة التطور أن يكون الأساس الرقمي الحيوي آمناً لضمان نجاح التنمية الاقتصادية على المدى الطويل، حيث يتم تفادي المخاطر السيبرانية التي يمكن أن تعيق عمليتي التقدم
 والابتكار.
وبالنظر للدراسات العالمية والتجارب الناجحة، هناك العديد من المعاير الدولية المعتمد عليها والمثبتة النجاح كنظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS) ومواصفات نظام الأمان (SCAS) اللذين يجسدان الجهود العالمية المشتركة الرامية لتوحيد معايير الأمن السيبراني، بحيث لا تتسبب المتطلبات المتضاربة في تصعيب المهمة على بائعي المعدات الذين يسعون إلى توفير منتجات موجهة إلى السوق العالمية.
يفرض اختلاف متطلبات الأمن السيبراني على بائعي المعدات بذل جهد وتكلفة كبيرين، ما يؤثر في نهاية المطاف على مشغلي شبكات الهاتف المحمول وعملائهم. وتحدد كل من الجمعية الدولية للهاتف المحمول (GSMA) ومشروع شراكة الجيل الثالث (3GPP) نظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS) كحل لمعالجة هذه المسألة. كما تعد قاعدة معلومات الأمن السيبراني للجيل الخامس التي أطلقتها الجمعية الدولية للهاتف المحمول (GSMA) مثالاً جيداً آخر لذلك، حيث تشمل خريطة التهديدات المتفق عليها في القطاع، واستراتيجيات وتدابير التخفيف لمختلف الأدوار، والمعايير وأفضل الممارسات. ويتيح الاستخدام الكامل لهذه الاقتراحات والمراجع المستوحاة من قاعدة معلومات الأمن السيبراني إمكانية التحقق من الأمن السيبراني للجيل الخامس والتحكم فيه، فهي تعد أداة قوية تساعد المعنيين بقطاع الاتصالات وأمنه السيبراني على فهم تهديدات الأمن السيبراني للجيل الخامس والاستجابة لها بشكل منهجي على المستوى التقني.
وهناك 17 دولة ومؤسستان إقليميتان هما المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات (AICTO) وفريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT)، تتبنيان رسمياً نظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS).
ويلعب إطار عمل أمن الجيل الخامس للجمعية العامة لفريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي دوراً محورياً كذلك في معالجة التحديات الأمنية لتقنية الجيل الخامس، وهو مواصفات تقنية متقدمة ترتكز إلى المعايير العالمية للتشغيل الآمن لشبكة الجيل التالي. ويستند إنشاء هذا الإطار أيضاً إلى التعاون الدولي بين مختلف أصحاب المصلحة، ويمكن استخدامه لإدارة وتوجيه تقييم المخاطر الأمنية لتقنية الجيل الخامس، وتطبيق الأمن وتحسين مستواه.
تسعى الحكومة العراقية إلى إقامة شراكات عالمية لتأسيس منظومة رقمية آمنة ومرنة. ويجب أن يمتد هذا التعاون ليشمل تصميم المنتجات وتصنيعها بما يتماشى مع المعايير العالمية حتى يتمكن المستخدمون من الاستفادة من قابلية التشغيل البيني والكفاءة التشغيلية. وتعتبر المعايير العالمية الموحدة في قطاع الاتصالات حجر الزاوية لهذه الصناعة المزدهرة بدءاً من الجيل الثاني وحتى الجيل الخامس. وستسهم هيئات قطاع الاتصالات، مثل مشروع شراكة الجيل الثالث (3GPP)، والمعهد الأوربي لمقاييس الاتصالات ETSI، والاتحاد الدولي للاتصالات ITU، ومنظمات التقييس الأخرى التي تعمل معاً لوضع معيار موحد، في توفير قيمة وتجربة أفضل للعملاء.
في سياق متصل، تتطلب مواجهة تحديات الأمن السيبراني وجود موارد بشرية ذات مهارات عالية يمكنها التكيف بسرعة مع مشهد التكنولوجيا المتسارعة والتهديدات الديناميكية. ويجب أن يتجاوز التدريب المقدم في هذا المجال حدود التعلم التقليدي في الفصول الدراسية ويعتني بتوفير تجارب عملية في مجال مواجهة التهديدات السيبرانية الحديثة. ويعد التعاون بين شركات التكنولوجيا والجامعات والوكالات الحكومية أمراً بالغ الأهمية لتعليم مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، بما في ذلك الأمن السيبراني. ونظراً لارتباط التقنيات الرقمية بشكل وثيق مع أهداف التنمية المستدامة، يمكن للحلول الرقمية الآمنة والشاملة والقابلة للتطوير أن تساعد الدولة على تحقيق هذه الأهداف وتوفير الرخاء لجميع المواطنين.
وبصفتها الهيئة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط من ناحية التنظيم المتداخل بين الإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تولي هيئة الإعلام والاتصالات أهمية كبيرة لمجال الأمن السيبراني، حيث بدأت مؤخراً تعاوناً جديداً مع شركة هواوي لتعزيز الجهود المشتركة المتعلقة بالأمن السيبراني. وسيسهم هذا نوع من التعاون بين الهيئة والشركات في تعزيز الوعي الوطني بالأمن السيبراني وبناء القدرات من خلال الارتقاء بأطر وقنوات تبادل المعرفة وتنظيم ورش عمل لحوكمة الأمن السيبراني للهيئة، فضلاً عن توسيع التفاعل بين الهيئة والشركة لتسريع فرص التعاون المستقبلية والابتكار المشترك في مجال تطوير الأمن السيبراني.
تعزيز الدفاع السيبراني في العراق يتطلب توفير نهج شامل يدمج تدابير الأمن السيبراني في جميع جوانب التحول الرقمي. ويعد التعاون بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في تنمية مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، والالتزام بالمعايير العالمية للأمن السيبراني مكونات أساسية يجب أن الالتزام بها، بالتماشي مع الالتزام بالتعاون المنفتح على كافة الأطراف في مجال الابتكار والمسؤولية البيئية للسير بالعراق قدماً نحو مستقبل آمن ومتصل وذكي. و لا شك بان تبني هذه المبادئ يمهد الطريق نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام ويحفز الابتكار بما يتماشى مع تحقيق الاهداف والاستراتيجيات والرؤى الوطنية للعراق.

* عضو مجلس مفوضي هيئة الاعلام والاتصالات