عادل الصويري
كشفت انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت مؤخراً، عن نسق اجتماعي تمثل بحالة من إصرار بعض الفعاليات الاجتماعية على الترشح لهذه الانتخابات.
هذا الاصرار تحول إلى ما يُشبه الهوس، فقد شاهدنا مرشحين لم يُعرف عنهم أنَّ لهم خبرةً في مضمار السياسة، فالانتخابات بالنتيجة هي صورة من صور تشكيل الأنظمة السياسية.
تمشي في الشارع، فتطالعك صور لأشخاص كثيرين، ضمن لهم دستور البلاد، وقانون انتخابها أن يترشحوا في الانتخابات، ولكن هل نحن في العراق على درجة عالية من المثالية، لنتيقن أنَّ هؤلاء سيفوزون وسيغيِّرون صورة البلاد ووضعها السياسي خلال العشرين سنة الماضية؟
كيف رأت هذه الفعاليات المجتمعية التي ترشحت للانتخابات صورة صراعها الانتخابي مع الأحزاب التقليدية، التي عرفت بالتراكم السياسي كيف تحول خساراتها وانتكاساتها إلى فوز؟
كان من المهم للشعراء والرياضيين والفنانين الذين ترشحوا أن يقرؤوا المجتمع العراقي بشكل جيد. والقراءة هنا تكون وفق مزاج عالم الاجتماع الراحل الدكتور علي الوردي، وليس مزاج شاعر يصدق جمهوراً يصفق لقصيدته، علماً أن هذا الجمهور هو أصدقاؤه الشعراء فقط. والحال نفسها مع لاعب كرة قدم سابق في المنتخبات الوطنية، وأشهر أندية الكرة في العراق، فهتافات الجمهور الرياضي له لا يعني أنها ستحجب أصوات الهاتفين عن الأحزاب التي شكلت نظام ما بعد 2003. ومثل هذا التصور ينطبق أيضاً على المرشحين من شريحة الفنانين وممثلي الدراما التلفزيونية.
ومن المعروف أنَّ الترشح للانتخابات يستلزم أن يقدم المرشح مشروعاً يحاول به إقناعَ ناخبيه بتحقيقه في حال حصل على ثقتهم. ولو قرأنا بشكل متجرد ترشيحات هذه الفعاليات المجتمعية لوجدنا أنَّ مشاريعهم قائمة على جمل إنشائية، سبق وإن تم ترديدُها في الظاهرة الاحتجاجية المعاصرة وهي احتجاجات تشرين.
خصوصاً أنَّ أقطاب هذه الحركة الاحتجاجية نفسهم انقسموا إلى عدة فئات، منهم من دخل المعترك السياسي، وخاض الانتخابات البرلمانية، ومنهم من حصل على مناصب حكومية، ومنهم من ركن أهدافه الاحتجاجية جانباً وانصهر في الأحزاب التي خرج ضدها وضد منهجها الذي شكل النظام السياسي الحالي، ومنهم من فضَّل الثبات على رفضه لكل ما يتعلق بالصورة السياسية الحالية مقاطعاً كل حدث سياسي يمنحها شرعية البقاء.
إذن، هذه الفعاليات المجتمعية المترشحة للانتخابات لم تقرأ بشكل جيد حتى تشرين التي تنتمي إليها، أو تدَّعي الانتماء إليها، بدليل الاحباط الساطع الذي واجهته بعد إعلان النتائج، وإلاّ كيف نفسر عدم حصول هؤلاء المرشحين لرقم 600 وهو رقم ضئيل، قياساً بما هم عليه من حضور إبداعي في واقع المجتمع العراقي؟
وكذلك لم تقرأ خصمها السياسي المتمثل بالقوى التقليدية وفق المثلث الواقعي (شيعي / سُنّي / كردي)، ولم تقنع جماهيرها بمشروع «مدني» حقيقي يمكن أن يواجه بها الخطاب المذهبي والقومي لهذا المثلث، فبقيت متعكزة على صورة رومانسية متخيلة تتعلق بمكانتها الابداعية في المجتمع، وهي مكانة لا تكفي لإقناع مجتمع صعب المزاج كالمجتمع العراقي، في حدث يتعلق بجزئية من جزئيات النظام السياسي، التي سبق وتم اعتبارُها من أوضح صور الفساد فيه.
كما أن الشباب من هذه الفعاليات، كانوا أكثر اندفاعاً واضطراباً في الحديث عن ترشحهم، حتى نسي بعضهم أنه مترشح لانتخابات محلية تتعلق بالمحافظات، وراح يتحدث عن ستراتيجيات مستقبلية للدولة، وهذا يعكس قلة خبرة، وعدم دراية بواجبات المترشح للانتخابات المحلية، وقد تندَّر أحد كبار السن من المعلمين المتقاعدين على الحديث «الاستراتيجي» لأحد الشباب قائلاً باللهجة العراقية: (هذا مرشح لانتخابات المحافظات ويسولف بالاستراتيجيات، إذا ترشح لمجلس النواب يمكن يحط خطة لمشاكل المناخ).
وهكذا يتضح أن ترشيحات هذه الفعاليات كانت أقرب للموضة من المشروع التغييري الحقيقي، وبالتالي فإنَّ القوى التقليدية هي الأكثر استفادة من هذه الموضة التي بدأت سريعاً، وانتهت أسرع.