الدعاية الانتخابيَّة والبيئة البصريَّة

آراء 2024/01/03
...







  حيدر وهاب عبود العنزي


إذا كانت الدعاية الانتخابية حق كفله المشرع العراقي للمرشحين بموجب أحكام المادة ( 24 ) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية المعدل رقم : ( 12 ) لسنة ،2018 من أجل الوصول إلى عضوية المجالس النيابية بطريقة ديمقراطية، إلا أن الحق المذكور ليس مطلقا، بل مقيد بقيود وردت في قانون الانتخابات المشار إليه في أعلاه، ونظام الحملات الانتخابية رقم ( 2 ) لسنة 2020 الصادر عن مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وقيود الدعاية الانتخابية منها ما هو موضوعي يتعلق بمضمون الدعاية الانتخابية، ومنها ما هو زمني يخص المدة التي يحق للمرشح أن يمارس حملته الانتخابية فيها، وإلى جانب ذلك توجد قيودٌ مكانية لا بد على المرشح أن يمتثل لها وألا يتخطاها بأن يأتي ممارسات مخالفة لها، من تلك القيود على سبيل المثل: منع نشر أي إعلان أو برنامج أو صور في مراكز الاقتراع، كما لا يجوز تنظيم الحملات والدعايات الانتخابية في دور العبادة والأبنية التي تشغلها الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ودوائر الدولة المختلفة، كما يمنع استعمال المواد اللاصقة والكتابة على الجدران، ولكن على الرغم من القيود المكانية التي قيد بها المشرع حملات المرشحين الانتخابية، إلا أن المشاهد هو أن تلكم الحملات لم تخلُ من سلبيات مثل: المغالاة في وضع الصور، فلا يكاد يوجد شارع أو حائط أو ساحة أو مبنى أو جزرة وسطية تخلو من صور المرشحين، وقد أدى ذلك إلى آثار ضارة من أبرزها تقليل رؤية سائقي المركبات للسابلة المارين على الطرقات، وتشويش ذهنهم وتشتت تفكيرهم بسبب قراءتهم للدعايات الانتخابية. وعلاوة على ما تقدم فقد أدى استعمال الأعمدة الحديدية واللحام الكهربائي في تثبيت صور المرشحين إلى تضرر البيئة وتشويه المنظر الجمالي للمدن، التي تغيرت معالمها وتقلصت ساحاتها الخضراء، بسبب غزو اللافتات العملاقة لها. وهذا ما يتعارض مع متطلبات الحفاظ على النظام العام الجمالي. فمن المعلوم أن النظام العام لم يعد مقصورا على العناصر التقليدية المعروفة مثل: الأمن العام، والصحة العامة، والسكينة العامة، بل اتخذ النظام المذكور صورا حديثة تعكس الجانب الحضاري والبيئي للشعوب المتحضرة مثل: المحافظة على جمال الرّواء والرونق للمدينة. وقد وقفت تشريعات الدول الحديثة موقفا إيجابيا في المحافظة على جمال الشوارع والميادين والأبنية، بل إن القضاء شاطر المشرع في هذه الحماية، فعلى سبيل المثل نجد أن القضاء الفرنسي تصدى لمحاولات تشويه المدن وساند الإدارة في جهودها للتصدي لمحاولات التعدي على الرونق الجمالي للمدينة، وذلك في قضية اتحاد نقابات مطابع باريس التي تتلخص وقائعها في أن جهة الإدارة سبق لها أن أصدرت لائحة تحظر بيع الإعلانات على المارة في الطرق العامة، نظرا لأن إلقاءها عقب الاطلاع عليها يسبب تشويهًا للمنظر العام الجمالي الذي يجب الحفاظ عليه.... فلما طعن اتحاد نقابات مطابع باريس في هذه الإجراءات اللائحيَّة، مطالبا بإلغائها لخروج أهداف هذه الإجراءات عن الأهداف المرسومة لسلطات الضبط الإداري وهي المحافظة على النظام العام، وأن مثل هذه الإجراءات لا علاقة لها بالنظام العام وبالتالي فهي بمثابة تقييد للحرية غير جائز. إلا أن القضاء الإداري رفض ذلك مؤكدا أن حماية جمال الرونق تعدُّ من أغراض الضبط الإداري بوصف كونها إحدى شعب النظام العام الجديرة بالحماية (يراجع دادي حمو باحمد واسماوي يحي، دور الضبط الإداري في حماية البيئة، ص 19 ). 

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام كيف يمكن أن نلزم التحالفات والأحزاب السياسية والمرشحين بالمحافظة على سلامة البيئة وجمال المدينة وقت ممارستهم لحقهم في الدعاية الانتخابية؟

لا بد من القول إن المشرع العراقي في قانون انتخابات مجلس النواب وانتخابات مجالس المحافظات والأقضية المعدل رقم ( 12 ) لسنة 2018 بدا متساهلا ومتسامحا مع المرشحين، عندما وفر لهم مزايا كثيرة وهم بصدد قيامهم بالحملات الانتخابية، فمن تلك المزايا على سبيل المثل: إعفاء الدعاية الانتخابية من أية رسوم، وجواز قيام المرشح بممارسة الدعاية المذكورة وإلصاق الإعلانات الانتخابية في الأماكن جميعها، باستثناء الأماكن التي منع المشرع ومجلس المفوضين صراحة الدعاية فيها التي سبق ذكرها، وكذلك الأماكن التي تحددها أمانة بغداد والبلديات المختصة في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، بالتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. لكن الملاحظ أن أمانة بغداد والبلديات لم تعلن عن أماكن المنع تلك ولم يتم الافصاح عنها في وسائل الإعلام أثناء انتخابات مجلس المحافظات الحالية، ما شجع المرشحين على وضع إعلاناتهم في أماكن غير ملائمة. والملاحظ كذلك أن المشرّع لم يتطرق إلى تنظيم الدعاية الانتخابية الالكترونيَّة وضوابط ممارستها، وكان بالإمكان الاستعانة بالحملات الالكترونية، لتكون بديلا عن اللافتات المكتوبة التي شوهت جمالية البيئة. وبخصوص هذه الفكرة نقترح الحلول الآتية على المشرّع والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات:

1 -إلزام أمانة بغداد والبلديات المختصة في المحافظات نصب شاشات إعلان كبيرة في أماكن يتم تحديدها من قبل الجهات المذكورة، بالتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

2 -إلزام المرشحين بعرض دعاياتهم وإعلاناتهم الانتخابية في الشاشات المذكورة، والتخلي عن اللافتات المكتوبة.

3 -استحصال رسوم من المرشحين والأحزاب والتحالفات السياسية مقابل عرض الإعلانات الانتخابية في الشاشات الإلكترونية