عبد الحليم الرهيمي
لقد سبق ورافق وتلى إجراء «انتخابات» مجالس المحافظات، بروز ورصد عدد كبير من الانتقادات والطعون والأخطاء والمخالفات الدستورية والقانونية، والتي يمكن اعتبارها أو وصفها بـ (الهوامش)، التي لا تعتبر من ضمن المتن المعد من القوى المهيمنة عليها وعلى مسارها ونتائجها، وهي الهوامش التي بدأت تبرز منذ ما قبل البدء بإجرائها في 18 كانون الأول المنصرم وحتى لما بعد الاعلان عن (نتائجها) في 28 من الشهر ذاته، حيث ستواصل بعد ذلك الطعون والانتقادات وحتى التشكيك بها.
إن المتتبع والراصد الدقيق لمسار هذه الانتخابات ولما قبلها وحتى لما بعد إعلان نتائجها لا بد أن يصل إلى بعض الهوامش المهمة التي سبقها ورافقت مسارها، والتي يمكن إيجاز بعضها بالآتي:
لعلَّ أبرز الهوامش اللافتة التي من المفيد الاشارة اليها ابتداءً هو أن قطاعاً واسعا من الرأي العام الوطني العراقي، لا سيما الذين لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع وتقدر نسبته ما بين (60 و 80 و 90 بالمئة ) يصف عملية الانتخابات بأنها شكلية، وهي عملية تصعيد لأعضاء مجالس المحافظات عبر هذه العملية، التي أدارها بوضوح ولمصلحة الجماعات، الجماعات السياسية المتحمسة لأن يتخذ هذا (التصعيد) مستلزماته (القانونية) والشكلية المتعارف عليها أولاً بإضفاء الصبغة الشرعية عليها.
اما الهامش المهم الثاني فهو الرسوب أو السقوط المدوي للإعلام في (تغطية) هذا الحدث منذ ما قبل حملة (تصعيد الأعضاء) هذه وخلال مسارها وحتى إعلان (النتائج).
فالإعلام الذي يوصف بأن مهمته نقل الحقيقة للمتلقي بموضوعية، وحتى لصناعة الرأي العام والتنوير، كما يرى البعض ذلك، تحول إلى وسائل إعلانات مدفوعة الثمن وترويج ممل وأحياناً مقزز للدعاية للشخصيات المرشحة، وذلك بالترويج لرأي واحد من المجتمع ، وهو الأقلية، بالدعوة للانتخابات والمشاركة فيها دون نقل متوازن وموضوعي للراي الآخر المعارض للانتخابات، والداعي لمقاطعتها، كي يؤدي هذا النقل إلى تفسير وتبرير وتوضيح ذلك للرأي العام، حتى يكون على بينة ووعي حقيقي لما يجري ولماذا ؟ وان عدم قيام غالبية الإعلام بذلك هو الذي مثل أحد أسباب رسوبه في امتحان تغطية تلك
الانتخابات.
واستكمالاً لهذا الهامش فقد تمثل الهامش الثالث بالتصريح غير الموفق والمتهافت لرئيس الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات السيد عماد جميل بتصريحه لإحدى وسائل الاعلام بأن نجاح هذه الانتخابات كان (نجاحاً غير مسبوق) ! ولأنه لم يوضح ما يعنيه (بغير مسبوق) فإن فكر ووعي من استمع إليه ذهبت به إلى تذكر فشل وعدم نزاهة معظم انتخابات الدورات السابقة وأبزها بأنه زاد عليها بتفوق الانتخابات الأخيرة عليها.
ان ما يدعو إلى الظن بعدم صحة القول بـ (النجاح غير المسبوق) لهذه الانتخابات هو عدم توضيح وتفسير السيد عماد لمعنى ودلالة عزوف ومقاطعة نحو (60 أو 80 وحتى 90 بالمئة) من العراقيين، الذين يحق لهم التصويت، ولم يوضح كذلك معنى ودلالة تعطيل نحو 70 بالمئة من أجهزة التصويت البايومتري وقبل ذلك حرمان مئات الآلاف الحصول على بطاقة التصويت، هذا فضلاً عن عدم تفسير وتوضيح تأخر إعلان النتائج لعشرة أيام، بينما أعلنت المفوضية قبل ذلك أن الإعلان سيكون في اليوم التالي، ولم يحصل.. أو ليس هذا التأخير لإعطاء الفرصة لترتيب الفرز والنتائج لمصلحة الجماعات السياسية المسيطرة ؟
كان على السيد جميل أن يكون أكثر ادراكاً وفهماً لوعي وذكاء العراقيين في توصيف واقع الانتخابات!
اما الهامش الرابع فقد تمثل في قول أحد شيوخ الدبلوماسية العراقية ومربي ومعد أجيال منها ورئيس المعهد الدبلوماسي الدكتور جواد الهنداوي: (إن الانتخابات هي مناسبة سعيدة) للعراقيين.
فمن أين أتى بهذا الاستنتاج والعزوف اقترب من 90 بالمئة ؟
ثم هل قام هو باستطلاع الرأي لسعادة العراقيين بهذه الانتخابات التي اعتبرها الكثيرون منهم، كما تقول الاستطلاعات الرصينة أنها مجرد (تصعيد) لأعضاء مجالس المحافظات، وهي لم تأخذ بالمستلزمات (القانونية) والشكلية المتعارف عليها؟ هذه الهوامش والملاحظات هي غيض من فيض من الهوامش للانتخابات الأخيرة (دون الحديث عن المتن) عسى أن يعدّها القائمون المفترضون على الانتخابات القادمة، سواء كانت للمجالس المحلية أو التشريعة البرلمانية.