جسر غاندي

آراء 2024/01/03
...

 نوزاد حسن 

منذ سنوات قرأت كتاب غاندي قصة تجاربي مع الحقيقة. ما أثار انتباهي في كتاب غاندي هو مراقبته لنفسه خوفا عليها من فساد السياسة. نعم كانت هذه مشكلة غاندي الحقيقية. ومن يقرأ مذكراته سيعرف عناد غاندي من أجل عدم خسرانه لنفسه كإنسان.

هل السياسة عمل خطير وتتنافى مع قيم الإنسان الأخلاقية؟ يطرح هذا السؤال دائما. لذا ينادي البعض بأن تطبيق الشريعة هو أفضل حل لهذه المشكلة. ومع ذلك لم تكن تجارب الأحزاب الإسلامية جيدة في ممارسة السلطة. لكن ليس هذا ما أريد قوله. 

لدي وجهة نظر نشأت في ظل عقدين من ممارسة نظام ديمقراطي دون أن نكتشف اي أثرٍ ملموس لهذه الديمقراطية.

نعرف جميعا أزمات البلد، وما يهمني وأنا وريث قراءات شخصية جدا أن رجل السياسة يتمتع بقدرة كبيرة على تقديم الوعود والإغراءات وتغيير المواقف، تبعا للمصلحة التي تجعل الحزب مرنا وقادرا على التأثير. هذه هي قواعد اللعبة السياسية التي نشاهدها عند كل انتخابات. لنقل هي قواعد تضمن للسياسيين بقاءهم 

واستمرارهم. تشبه هذه القواعد عملية تلقين قصيدة لشخص لا يقرأ ولا يكتب.

لذا أنا أقول إنني حين استمع لأحد السياسيين يتحدث أشعر بعمى البصيرة واضحا في كلامه. في حديث السياسة عندنا لا توجد معاناة غاندي ومراقبته لنفسه. ومحاولته أن ينتصر للضعفاء دون أن ينتظر منهم عونا له في خوضه للانتخابات. يتحدث السياسي في كل وقت بيقين وثقة أنه عادل ومنصف ولديه خطة، وقد تأقلم على اداء هذا الدور التمثيلي. ويا له من دور، فهو يعرف أن هناك مشكلات كثيرة وفساد وغير ذلك من أمراض جاءت بها الخصومات السياسية.

لكنه يتحدث على الرغم من كل ذلك بقين أنه لم يقصر. وهنا يتحول السياسي إلى شخص جديد خسر نفسه بكل ما في الكلمة من معنى.

ما اكتشفته في مذكرات غاندي هو ذلك الصراع الداخلي العنيف بين مبادئ غاندي وبين واقع السياسة. المبادئ تعني هنا نظرة صافية إلى واقع الناس دون تزييف. وما يحدث دائما هو جعل المبدأ أهم من المواطن، ومن عذاب الشعب. وهذا ما لم يفعله غاندي. 

وهناك أمثلة من حياته تدل على انه لم ينخدع بالمبادئ على حساب هموم الفقراء. 

مثلا: لم تسكر كلمة استقلال الهند غاندي، ولم يرقص لهذا الاستقلال وقد حدثت مجازر للمسلمين. لو كانت روح غاندي مصابة بالعمى لابتهج وبرر كل ما يقع، ولعوض المسملين واعتبرهم شهداء مرحلة. بكلمة أخيرة: لم يبن غاندي جسرا للهند