رحيل جون بيلجر

آراء 2024/01/04
...

نرمين المفتي

أعلنت أسرة الصحفي الاستقصائي المعروف عالميا (جون بيلجر) في اليوم الأخير من السنة الماضية 2023 على منصة (X) رحيله في 30 ديسمبر 2023 في لندن عن عمر يناهز 84 عامًا.
ونعاه صحفيون وناشطون مثله لأجل قيم السلام والعدالة في العالم على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفين رحيله بخسارة كبيرة للصحافة، التي كان هدفها الوصول إلى الحقيقة.
وقالت الصحفية والكاتبة الأمريكية (باربرا نيمري عزيز) بأن بيلجر “كان محاربا عظيما من أجل السلام وناضل طويلا من أجل العدالة، من أجل جوليان أسانج، من أجل العراق وفلسطين.
وترك وراءه أنموذجاً في الالتزام بالعدالة وأرشيفاً من الأفلام الوثائقية لتعليم الأجيال القادمة. “.
وكتبت عن رحيله وانجازاته المهمة، التي كان هدفها دائما الحقيقة، كبريات الصحف البريطانية.
كان بيلجر قد قال في حوار سابق مع الجزيرة بأن مواظبة الصحفي على تذكير نفسه بأنه موجود ليمثل المشاهدين والقراء والمستمعين لا أصحاب سلطة فعندئذ تصبح “الصحافة باعتقادي صحافة حقيقية”.
ووصف الحقيقة بأنها كلمة صعبة وهناك العديد من الحقائق ولها أوجه عدة لها وعلى الصحفي ان يجدها ويكتب عنها.
عمل بيلجر المولود في استراليا والذي أمضى معظم حياته في لندن في العديد من الوكالات الخبرية والصحف ومن خلالها زار دولا عديدة، وغطى حرب فيتنام وحروبا عدة غيرها، وتعرف على قضية فلسطين وأصبح مدافعا شرسا عنها وكان مدافعا ايضا عن العراقيين، الذين تضرروا من الحصار وباتوا رهينة لإخضاع الديكتاتور.
حصل بيلجر على العشرات من الجوائز العالمية ولمرتين على جائزة أفضل صحفي في بريطانيا، وكانت الاولى لتقاريره من فيتنام والتي اصدر عنها كتابه (التمرد الهادئ)، ومن ثم حوله إلى فيلم وثائقي في 1970 كاشفا عن تفكك الروح المعنوية بين القوات الأميركية في تلك الحرب ومشيرا إلى أن بعض الضباط قُتلوا على أيدي جنودهم.
واذ اغضب الفيلم السفير الأمريكي لدى لندن، إلا أن النقاد اكدوا أن فيلمه كان سببا للمطالبة في الانتهاء من تلك الحرب والتي انتهت فعلا في 1975.
وقال عن فلسطين بأنه إذا لم يسمح للفلسطينيين جميعا بالعودة إلى موطنهم فإنه بأنه لن يحل السلام في الشرق الأوسط.
وكان قد قال في حوار سابق له بأن الظلم الواقع على فلسطين وشعبه هو الحقيقة الأهم في العالم الان على الصحافة ان تكشفها.
وقال عن الحصار الذي فرضته الامم المتحدة على العراق ونفذتها أميركا وبريطانيا، بأن عدد ضحاياه من المدنيين وبينهم نصف مليون طفل عراقي فاق ضحايا القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على اليابان.
ونال فيلمه الوثائقي (دفع الثمن: قتل أطفال العراق) جوائز عدة وعرض لاول مرة سنة هو 2000.
من تأليف وتقديم جون بيلجر وأخرجه آلان لوري. في هذا الفيلم الوثائقي، يجادل بيلجر بأن عقوبات الأمم المتحدة كان لها تأثير مدمر على أطفال العراق خلال التسعينيات.
وفي 2010، عرض فيلمه الوثائقي (الحرب التي لا تراها) والذي كشف فيه الدور الذي لعبته وسائل الإعلام في الصراعات في العراق وأفغانستان و(إسرائيل)/ فلسطين.
ووصفته مجلة Total Film، الخاصة بالافلام بأنه “وثيقة قوية وفي الوقت المناسب” مع “مجموعة رائعة من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، بما في ذلك المراسلون الحربيون والمبلغون عن المخالفات”، وأشارت إلى أن اللقطات المسربة لمروحية أمريكية قصفت “سكان بغداد العزل” ووصفتها بـ”السبق الصحفي الأكثر إثارة للقلق في الفيلم.”.
كان بيلجر أنموذجا رائعا للصحفي الملتزم.. وأعود إلى حواره مع الجزيرة الذي قال فيه بأنه الصحفي قد يكون محايدا، لكن هذه الحيادية ستحمل معنىً خاطئاً عندما تستخدم كمصطلح إدعائي لتحل محل الحقيقة لذا تسمع أحياناً كلمة حيادية تستخدم بمعنى أن نعامل الطرفين المعاملة نفسها وهذا ليس له صلة بالحقيقة، “أعتقد بأنه يمكنك أن تكون حيادياً، ولكن ليس عندما يتعلق الأمر بالظلم ومساواة الظالم بالمظلوم إنه أمر مستحيل.”