توظيف المرافعة القانونيَّة إيديولوجياً في العمل الفني

آراء 2024/01/08
...








  ناصر عمران

لو استطعنا أن نضع انفسنا موضع الفنان في تأمل حياتنا، لوفرت لنا حياتنا متعة جمالية شديدة حسب ما يراه ( اندريه موروا)، فما من روائي أو كاتب سيرة قادر على ان يرينا ظلالا جماليَّة للشعور، مثل تلك الظلال التي سنميزها لو استطعنا تأمل حبنا وطموحنا وغيرتنا وسعادتنا.. ومن خلال هذه المساحة الجمالية ذاتها استطاع العمل الفني الترويج لبضاعته الايديولوجية، والعمل الفني بشكل عام نسق جمالي يقوم على فكرة أو أمر معين، أو قضية تهم الرأي العام، ومن التعريفات الأخرى للعمل الفني أنه نتاج إنساني مبتكر يحتوي على مجموعة من التفاصيل التي تبيّن طبيعته، والهدف الذي يريد اصحاب العمل إيصاله للجمهور، والفن السينمائي أحد ادوات الفاعل الجمالي، الذي استطاع ان يخلق فضاءات ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ولم تكن الثقافة القانونية بعيدة عن ذلك، فكانت الرؤى الفكرية والفلسفة القانونية حاضرة في الكثير من الاعمال الفنية وبخاصة العربية منها، بل إن صورة المرافعات والمحاكمات وادارتها وما يدور خلالها شكل صورة حيّة في مخيالنا عن هذه الاعمال، لقد قدمت لنا المشاهد الفنية التي تناولت اجواء المحاكمات الجزائية أو المرافعات المدنية وقبلها مراحل التحري وجمع الادلة والتحقيق في الوقائع الجنائية التي كان يتناولها العمل الفني بإجراءاتها المتخذة، سواء في مرحلة التحقيق التي يطالعنا فيها القائم بالتحقيق نشطا مثابراً لا يترك صغيرة أو كبيرة من تفاصيل الواقعة الاجرامية، إلا وأدلى دلوه فيها تحليلا وتعقيبا حتى الوصول إلى كشف الجريمة
وفك الغازها والتي بالمقابل ابدع الجاني في رسمها للتخفي ورائها ولكن في النهاية يصل بنا العمل الفني إلى حقيقة مفادها ان الجاني لابد ان يقع بقبضة العدالة، اما مرحلة المحاكمة فقد اظهرت لنا تشكيلة المحكمة بهيأتها القضائية صدرا رحبا متسعا لمرافعات ومطالعات المحامين، التي ركزت عليها الاعمال الفنية باعتبارها المتسع لطرح وجهة نظر المؤلف وفلسفته احيانا والتي كانت بالمجل ذات نسق ايديولوجي تعبر بشكل كبير عن مرحلة تاريخية راهنة أو ماضوية أو رؤى مستقبلية تنطلق من البيئة الحاضنة المؤسسة، اضافة إلى ان ما تم تقديمه شكّل في الذاكرة صورة حية لما يدور في المحاكم، بحيث صارت مفردات المحاكمة والمتهم والمجرم والمشتكي توحي بصورة مباشرة إلى الرؤية المسبقة، التي تركت انطباعها في اذهان المتلقي من جراء تأثير السينما والاعمال الدرامية العربية المصرية وتماهى ذلك مع رؤية النظام السياسي، فالأعمال الفنية وانتاجها وتوزيعها لم تخرج عن مظلة هذا النظام وأيديولوجيته ونجحت في التخفي وراء الحق والعدالة والانساني التي ألبستهما معطفها الايديولوجي سواء بشقها القانوني في المرافعة القضائية أو حوار خارجي مباشر أو حوار داخلي بصوت عال كل ذلك كون صورة موحدة للمرافعة القانونية الايديولوجية، التي حققت مبتغاها في فترة من فترات الترويج للأفكار عبر الاعمال الفنية ولما يزل صانعو الفن الأيديولوجي يحاولون استغلال الفضاء الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي لاستمرارية وجود بضاعتهم من خلال توزيع هذه الاعمال الفنية بصورة مستمرة، عبر استغلال الفضاء الالكتروني وبالرغم من تغير الأجيال والأزمان والأدوات والوسائل ومنظومات الأفكار، إن ما حققته الأعمال الفنية الأيديولوجية من نجاحات مهمة في زمن ما لا يمكن التعكز عليه، لتحقيق النجاحات ذاتها في زمن آخر، فالزمن الأيديولوجي المرتهن ستراتيجيات وسياسات متماهية معه لن تجد لها رواجا في زمن الفضاءات الرقمية، مع أن اصحابها يعتقدون بتأثيرها الفني المستمر وان وهنت رؤاها الايديولوجية.