دور السياسة الاقتصاديَّة في تفاقم مشكلة البطالة

آراء 2024/01/08
...






 أ. د. فلاح خلف الربيعي

يهدف هذا المقال إلى التأكيد على أن تحقيق النمو الذاتي المستدام والتشغيل المنتج في العراق يستلزم تبني سياسات اقتصادية تتسم بالكفاءة والفعالية، فهذا النوع من السياسات يمكن أن يسهم في الحد من ظاهرة استنزاف ونهب الفائض الاقتصادي، تلك الظاهرة التي هيمنت على آليّات التصرّف بالموارد في العراق خلال العقود الخمسة الماضية إلّا أنّها تفاقمت خلال المدة (2003 - 2023) لتعبر عن مدى اخفاق السياسات الاقتصادية في توجيه الموارد نحو إنجاز الهدف الاستراتيجي المتمثل في التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المتنوع.
بناءً على تلك الرؤيا يمكن القول إنّ ضعف الكفاءة الفنية والاقتصادية لدالة الإنتاج في العراق يعود إلى سوء التصرف بالموارد الإنتاجية النادرة وبخاصة عنصر العمل ورأس المال، نتيجة لتركيز السياسة الاقتصادية على توجيه الفوائض المالية نحو تلبية المتطلبات الاستهلاكية والتضحية بالفرص الإنتاجية والاستثمارية البديلة.
  وتكشف هذه المشكلة في عمقها الدلالي عن مدى تفاقم تلك الاختلالات وارتفاع مستوى الانكشاف الخارجي الذي أسهم في تفاقم مشكلة البطالة، فضلا عن تعميق التوترات الاجتماعية والسياسية.
الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى تبني استراتيجية تنموية بديلة، تمنح الأولوية لهدف الإصلاح الاقتصادي الذي يصب في مصلحة التنمية والتنويع الاقتصادي والتشغيل المنتج، بعد أن واجهت هذه القضايا عدداً كبيراً من التحديات ارتبط معظمها بإصرار الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 على التوجه الريعي الذي كرّس الهوية الريعيّة للنظام الاقتصادي في العراق، ومنح الأولوية للانفاق الاستهلاكي بوجه عام والانفاق على الأمن والدفاع بوجه خاص، مضحياً بذلك بالفرص الاستثمارية والإنتاجية البديلة الهادفة إلى رفع مستوى التنويع والتشغيل، وقد أدى هذا الموديل الاستهلاكي الناهب للفائض الاقتصادي إلى ترسيخ قيم الريع والاستهلاك وتفكيك منظومة النشاط الانتاجي وتحويل الفائض الاقتصادي خارج البلاد من دون السماح بنهوض قطاعات الإنتاج، وأسفر كل ذلك إلى تحويل البلاد إلى حاضنة ريعيّة استهلاكيّة تابعة.  كما أسهم الضعف البنيوي للقطاع الخاص في تفاقم الأمور، فعلى الرغم من دعوة القطاع الخاص إلى اتخاذ زمام المبادرة في قيادة النشاط الاقتصادي -كما نص على ذلك في دستور 2005 - إلّا أن تفعيل تلك الدعوة اصطدم بحالة الضعف البنيوي للقطاع الخاص، فهذا القطاع يستحوذ على نسبة تشغيل للقوى العاملة تزيد على 85 %، إلّا أن حصته في توليد الناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 15 %، كما أن حصته في تكوين الرأسمال الثابت لا تزيد عن 5 %، كما أن مساهمته في إجمالي الإنتاج الصناعي لا تزيد عن 10 %.
ومن الطبيعي أن يقود كل ذلك إلى تفاقم مشكلة البطالة في البلاد لا سيما بين الشباب الخريجين نتيجة لضعف قدرة قطاعات الإنتاج الرئيسيّة في القطاعين العام والخاص على توليد فرص العمل، لذا يتم استيعاب معظم هؤلاء الشباب في القطاعات منخفضة الإنتاجية وبخاصة قطاع الامن والدفاع والأنشطة الهامشية في القطاع غير المنظم، وهذا هو الوجه الثاني لعملية هدر الموارد في العراق التي امتدت من رأس المال المالي إلى رأس المال البشري، إذ دفع الايمان المغالى به بقوة دولار الثروة النفطية صانع القرار إلى اهمال الدور الديناميكي لرأس المال البشري الذي يعود اليه كل الفضل في تحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي في الأمم الناهضة.