نصير الشيخ
يجدُ الفنان العراقي فاضل حسين في الفن التشكيلي وجوده الحيّ، بعد سنواتٍ من السفر متنقلاً بين المدن العربيَّة والأجنبيَّة، والحامل على عاتقه موجبات الإرث الرافديني، أنَّ نزوع الذات الى حريتها مسألة فلسفيَّة عميقة، وبالتالي فهو يجدُ في التجريد عبر اشتغاله في حقل الفن التشكيلي مساحة أكثر رحابة للوصول الى فوضى من شأنها تجسيد الجسم البشري، حاملة تناغماً وجودياً، ومؤسسة علاقتها مع المحيط.
في أعماله تظهرُ استخدامات التقنيات المختلفة وحلولها الصوفي والجمالي على سطح اللوحة، وبالتالي إظهار قدرات فنيَّة عابرة للمحسوس البسيط وصولاً لمكامن المعنى والإمساك بلذاتٍ من نوعٍ خاصٍ، واللوحة تمنحنا هذا الشعور، بل هذه الصفات رسماً ونحتاً وتشكيلاً. ولأنَّ الفنان كونٌ متماوجٌ داخل هذا العالم الشاسع بحثاً كما يسميها الفنان (هندسة الكون)، صارت اللوحة لديه مركز استقطاب تتشكل عليها علامات الوجود، ليستدرج من خلال أفكاره (اليومي) وما اختزن في ذاكرتهِ، مستعيداً طزاجته ملمحاً وسؤالاً لتكون اللوحة لديه عالماً ضاجَّاً بكل هذا.
وللألوان في عالم فاضل حسين حساسيتها الجماليَّة ونبضها الإنساني، تتشكل لديه على وقع تناغمٍ وجودي يمنحه حريَّة التعبير لإنشاء اللوحة وابتكار مفرادتها، وهو حين يتأملها تفتح لديه - أي الألوان - فراديس جديدة، مخلفة وقعها النفسي وانطباعها الحر وتدرجها الفيزيائي وتناغمها الجمالي، حيث (للألوان الزرقاء والخضراء دورٌ وظيفيٌّ في سياقٍ عملي الفني الذي اشتغلُ عليه، مثيراً الجدل لديَّ وفي لوحاتي وبالتالي تتشكل هذه الألوان في روحيَّة تتسامى الى روحانيَّة من التأمل والاستبصار).
في أعمال فاضل حسين تحضر جدليَّة الخلق بمكوناتها الأولى (الرجل والمرأة) حضوراً انطولوجياً وثقافياً، هذه الثنائيَّة التي تحضر بوصفها ثيمة لأكثر من لوحة لديه، إنْ لم نقل تحضر موضوعاً أثيراً لديه وفي اشتغالاته، يمدُّ نسوغه الى عالم الأساطير وفكرة الوجود وصولاً للاختزال الشيئ في تيارات الرسم والفن المعاصرة.
نجد في عالمه الرسموي وجوداً متحققاً عبَّرَ فيه الفنان في منطوقه "عندما أنظر الى لوحاتي، أرى نفسي متفاعلاً مع حرارة الألوان ودفء إيقاعاتها المشاكسة، وأجد قدرتي التعبيريَّة بضربات الألوان الجريئة، كل هذا يشعرني بسعادة وخوف بالوقت ذاته، حين أنظرُ بعمقٍ للمساحات المتجانسة على الشكل التصويري للوحاتي". تُرى هل هي استعادة حياة مرَّت ومضتْ تجدُ وجودها الحيّ في هذه الصياغات التشكيليَّة لدى الفانان؟، وهل هي انعكاسٌ لتجارب وأسفارٍ وخيباتٍ ونجاحاتٍ لتكون اللوحة مهبط النفس ومركز الكون في تعبيريتها؟.