سناء الوادي
لقد وصف هذا العام 2024م بأنه عام الانتخابات في العالم، الذي لن يتكرر إلا بعد عقدين من الزمن، حيث يتوجه أربعة مليارات منتخب إلى صناديق الاقتراع في دول عديدة، وعلى رأسها بلاد العم سام، والتي تتجه أنظار الإعلاميين والمراقبين إلى مجرياتها باهتمام بالغ، فمع انطلاق الانتخابات التمهيدية داخل الحزبين مما يسفر عن فوز المرشح الأفضل، الذي يحافظ على تقدمه ليمثل الحزب في انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل
والتي من المحتمل أن تغير نتائجها مسيرة القاطرة الأميركية على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذا ما أتت بقائدٍ متعقل إلى محراب البيت الأبيض يتناول القضايا العالقة بحنكة سياسية، قد تعيد الثقة العالمية تجاهها بعد فقدانها للمصداقية على الساحة الدولية.
لم تكن السياسة الخارجية لواشنطن يوماً ما معياراً يحكم به الناخبون الأميركيون باختيارهم للرئيس القادم، بيدَ أن إدارة جو بايدن الحالية والتي اتجهت بعيداً عن مسارات الديمقراطية التي حاولت واشنطن جاهدةً إرساء ملامحها عبر السنين المنصرمة، ناهيك عن افتعال الحروب وإثارة النزاعات وتدمير الاستقرار في عدة دول تمثّل رأس هرم المصالح الأميركية، وهو ما ظهر جلياً في الحرب التي أشعلت فتيلها على الأرض الأوكرانية، لإنهاك الدُّب الرّوسي وإيقاف عجلته الاقتصادية المتعاظمة، محاولات باءت بالفشل بعد اقتراب إتمام العام الثالث على هذه الحرب استُنزفت خلالها الخزينة الأميركية العامة، وارتفعت نسبة التضخم ومنسوب الدين العام لأرقام قياسية، وتفاقمت حالة الاستياء الشعبي حيال هذه السياسة الحمقاء، فضلاً عن الانقسامات الداخلية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيال المساعدات المالية المتناثرة يمنة وشمالاً وهو ما لم تعهده من قبل.
لم تكتفِ إدارة بايدن الحالية بذلك بل أدخلت الدولة في مأزق كبير قد تكون فيه نهايتها، ألا وهو الدعم اللامتناهي لإسرائيل في إجرامها على قطاع غزة سياسياً وعسكرياً ومالياً واستخباراتياً، وهو ما أنتج تفاقم المعارضة الشعبية على الأرض، فما لم يدركه بايدن أن المقاومة التي دقت ساعة الصفر لطوفان الأقصى باتت أكثر حنكة ودهاء ونجحت بإيصال الصورة الحقيقية للكيان المحتل المتطرف إلى شعوب العالم، فمن غير المنطقي أن يجازف بايدن بجنوده الأميركان العشرين المحتجزين لدى حركة حماس ومقتل 14 كانوا في صفوف الجيش الإسرائيلي، من أجل استرضاء حكومة نتنياهو بالغة التطرف، والتي تسعى بكل شيطنةٍ إلى توسيع رقعة الحرب في الشرق الأوسط لتحقيق أي إنجاز يذكر لها لإبعاد شبح الاعتقال والمقاضاة عن نتنياهو وأعضاء حكومته.
هل نسفت مساعي بايدن كل الاتفاقيات الإبراهيمية التي أبرمت من قبل، والتي كان من المأمول أن تتوج باتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهل اتجه زعيم البيت الأبيض بأنظاره، بعيداً عن المنافس الشرس الصاعد بقوة لقيادة العالم بقطبيات متعددة ألا وهو التنين الصيني، حيث كان من المفترض عقد مزيد من التحالفات بما يدعم تواجده في مراكز تمدد أذرع بكين ضمن حملة التنافس الستراتيجي معه، لم يتقبل السياسيون الأميركيون بصدر رحب الوساطة الصينية، التي أنهت أعواماً من الخلاف بين الرياض وطهران، كذلك تزايد التعاون الاقتصادي الصيني - الروسي مع دول المنطقة في الشرق الأوسط.
إنَّ الإحساس بالضعف في الموقف الأميركي المؤثر تجلّى مؤخراً برفض دول كثيرة من المشاركة بتحالفٍ لضرب الحوثيين في اليمن، وهو ما لمسته حركات المقاومة في المنطقة ككل فضربت القواعد الأميركية في سوريا والعراق وأشعلت الجبهة الجنوبية في لبنان ووضعت البحر الأحمر تحت
رقابتها.
ومن هنا قد يكون بايدن قد أدرك مؤخراً بأن محاولته دعم إسرائيل بشكل مطلق للّعب على الأوراق الانتخابية للناخبين اليهود في الحزب الديمقراطي كما والأصوات اليمينية في الحزب الجمهوري المنافس بأنها لن تؤتي ثمارها، ولربما هذا ما يفسر سحب الحاملة جيرالد فورد من المتوسط وإعطاء نتنياهو مهلة قليلة لإنهاء الحرب، لكن ما يثير السخرية أن الطين يزداد بلّة أمام الإدارة الأميركية، بعدم استجابة إسرائيل لذلك بل وتريد توسيع رقعة الحرب ما استطاعت، سواء على الحدود المصرية في محور فيلادلفيا أو ما جرى من اغتيال لنائب رئيس مكتب حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية من لبنان.
بالتأكيد إنَّ هفوات الرئيس الهرم القاتلة قد تشكل نقاط القوة بالنسبة للمنافس الشرس له «دونالد ترامب» إذا ما استمرّ بتقدمه لتمثيل الحزب في انتخابات الرئاسة، ومع ذلك فإن تقريراً لمجلة «بوليتيكو» نوّهت فيه لاستطلاع أخير للرأي يشير لرفض الأميركيين لكلا الشخصيتين، وأنه من المحتمل أن يُعرضوا عن الاقتراع.
كاتبة سورية