إدارة الأحداث السياسيَّة في وسائل الإعلام

آراء 2024/01/09
...

 د. محمد وليد صالح 


الجمهور ومتخذو القرار يتابعون تطور الأزمات من طريق ما تقدمه وسائل الإعلام من أخبار ومعلومات، أي أنها تنقل له وللرأي العام الواقع الاجتماعي، وهذه العملية قد تتعرض بقصد أو بدون قصد لأخطاء أو لقدر من التشويه، الأمر الذي يؤدي إلى الأخطار والآثار الناتجة عن الأزمة أو الكارثة نتيجة نقل المعلومات بشكل غير الدقيق، مما يترتب عليه مشكلات عدة، فالإشارة إلى أخطاء تحدث في ممارسة وسائل الإعلام لعملها، أما بالتهويل أو التهوين قد تؤدي إلى أزمات وأحيانا كوارث، من جانب آخر فإن التأخير عن نشر الأخبار والمعلومات عن الأزمات والكوارث، يزيد من حالة الارتباك والغموض التي يتسم بها موقف الأزمة، وبالتالي تزداد فرص ظهور الشائعات. 

تعمل وسائل الإعلام بوصفها منظمات رئيسة للتحضير والاستعداد والاستجابة للأزمات، بوساطة التحذير وكسب التأييد والتعاطف ومحاربة الشائعات والعمل على طمأنة الجمهور، ولا سيما أن مهام وسائل الإعلام الرسمية في إدارة الأزمات، تواجه مجموعة من المشكلات والعقبات، لعل أهمها أنَّ هناك أطرافاً تقوم بنشاطات اتصالية أو إعلامية في أثناء الأزمات والكوارث، إذ يحتاج إلى تنسيق الموقف المربك، فان وسائل الإعلام عندما تقوم بتغطية أخبار أحداث معينة وأسبابها ونتائجها تركز على أنها أحداث منفصلة واستثنائية أكثر من كونها أحداثا طبيعيَّة. 

أما عنصر الزمن والمفاجأة يرفع من درجة توتر ولا عقلانية الجمهور، وثم تجعله أكثر عرضة للاستهواء والوقوع تحت تأثير الشائعات والدعاية المضادة، وتجدر الإشارة إلى أن الأزمات يمكن أن تحدث بسبب شائعات، فإن الأزمة في الواقع شائعة سلبية، لكن قد تظهر أيضا شائعات إيجابية. 

وعلى هذا الأساس فإن النشاطات الاتصالية والأدوار التي تمارس في أثناء المراحل المختلفة للأزمة، ويندرج بضمنها كل أنواع الاتصال بصرف النظر عن محتوى الوسائل، فإن النشاطات التي تقوم بها وسائل الإعلام في المجتمع تدخل في نطاق طبيعة النظام الإعلامي السائد وإمكانياته المتاحة، سواء أكانت المادية أم البشرية أم الفنية. 

وهناك مقولة تشير إلى (أن ما من إعلام حر ومستقل بالمطلق)، فوسائل الإعلام تخضع لنظم رقابية تمارس أشكالاً من التدقيق على محتوى الرسالة الاتصالية، ففي وقت تأخذ فيه اغلب النظم الرقابية المحلية أشكالاً سياسية أو قانونية أو اقتصادية على وفق سياسات إعلامية معينة، وكذلك الرقابة غير المباشرة على عملها، وتزداد تلك النظم تشدداً في الدول النامية واحياناً الدول المتقدمة، التي توجه الإعلام لأغراض التعبئة ومواجهة التحديات التي تواجه نظمها السياسية، فضلاً عن التنشئة وتعميق الولاء لدى مواطنيها. 

إذ إن بيان ما هو مهم وما هو غير مهم، وما الذي يستحق أن يكون ذا صلة سياسية بحياة المواطنين، وترتيب الأجندة السياسية لهم، وتحريك الرأي العام، وتمكنت وسائل الإعلام من تشكيل رأي عام مساند واستغلال تأييد المنتفعين من قضية ما، ومخاطبة اهتمامات الفئات المعارضة لكسب تأييدهم ودعمهم للقضية، عبر التنويه الذي يتحقق بتقديم المعلومات الملائمة لتحقيق الأهداف، والحفز على التغيير وخلق الطموحات الممكنة لدى الأفراد المستهدفين، والدعوة للمشاركة وهي المطلب الأساس في إحداث التغيير. 

فالإعلام يؤدي دورا حيويا في جذب الشركاء وتكوين جمهور من المساندين، وإنشاء اتصالات وثيقة وآليات للتنسيق بين المؤسسات والأفراد وتوافر مصادر المعلومات، فضلاً عن توظيف معلومات الرد على الإعلام المضاد، فالسلطات السياسية يعمل إعلامها لمواجهة الإعلام المضاد الذي تتعرض له، من طريق تحصين مواطنيها عبر وسائل الاتصال الجماهيرية المحلية باستعمال أساليب مختلفة منها، توكيد معتقدات الجمهور بالقيم المشتركة المقبولة بهدف مقاومة الإعلام المضاد، وربط هذا الاعتقاد بجماعات تحظى بالاحترام العام، وكذلك إثارة حالة من الخوف لدى المتلقي وزيادة قلقه وتوتره، من نتائج غير مرغوبة لديه، مما يجعله يقاوم الرسائل الإعلامية المضادة. 

ما يعني أن الإعلام يعمل كالأداة السياسية للتعريف بمواقف الدولة، وفق الدور المرسوم له في السياسات العامة، وتتمثل في الاتصال بأفراد المجتمع والمؤسسات الرسمية منها وغير الرسمية، والحوار مع القوى المؤثرة في اتخاذ القرار، للوصول إلى الحد الأقصى من الفاعلية لخدمة هذا الدور.