وليد خالد الزيدي
من بين كل وسائل الاتصال الجماهيري في العالم أخذت الصحافة منحى وثيقا بأهداف وتوجهات وتطلعات أبناء المجتمع في أي بلد، لكونها تتوجه بشكل مباشر كرسائل متاحة للقراء، لذا فهي تتعامل بجمع وعرض وتقديم المعلومات الواقعية المجردة ذات الاهتمام بالجمهور بعكس بعض الوسائل والمنصات الأخرى، التي تبرز صور الترفيه والإعلان والترويج والمدح والذم، فركزت الصحافة اهتمامها منذ انبثاقها في العصر الحديث على مجموعة مبادئ توجيهية ومعايير أخلاقية، كالموضوعية والدقة والإنصاف لضمان تقديم معلومات موثوقة جديرة بنيل ثقة قرائها.
وتقفز إلى أهمية الذكر، الصحافة العراقية التي تاسست قبل (155) عاما تقريبا، وانبثقت كإحدى وسائل النضال الوطني الجماهيري وعبّرت عن ارادة المجتمع في التحرر من قيود الاحتلال العثماني حينها وما بعده، من أزمات ومعضلات ومآسٍ والى اليوم تضطلع صحافتنا بمهام جسام وأدوارٍ خطيرة في بناء منظومة القيم المجتمعية، والوقوف إلى جانب القضايا الوطنية متسمة بحيادية وموضوعية، وإظهار حقائق ما يجري في بلدنا، بعيدا عن المؤثرات الأخرى، وعملت بصدق ومسؤولية فاستجابت للتحديات، التي واجهها الصحفيون في مهنتهم، حتى تميزت كتاباتهم بفهم عميق للمشهد العراقي، والتزام العمل على تعزيز المواطنة ودور المشاركة في البناء النهضوي، الذي اختطته الصحافة وضحّت من أجله بالكثير من الشهداء، وهو أمرٌ تبنته الحكومة في الوقت الراهن من خلال قرار مجلس الوزراء بتخصيص خمسة مليارات دينار إلى نقابة الصحفيين العراقيين، لتغطية نفقات علاج الصحفيين من كبار السن والمرضى والرواد ودعم تكافلهم الاجتماعي والتعهد بعلاج أسر شهداء الصحافة، الذين يتجاوز عددهم (500) شهيد.
ومن باب الموضوعية والتجرد في القول لامناص من التأكيد على أن صحفيي العراق يستحقون كل ما يحفز في نفوسهم العمل بروح الانتماء الحقيقي للوطن، وليأخذوا دورهم في الحفاظ على مجتمع حر ومنفتح، ومراقبة ومتابعة مجريات الاحداث في العراق واظهارها امام الجمهور كما هي وحماية حرية التعبير والتدفق الحر للمعلومات باستقلال وحيادية بعيدا عن الاسفاف والانحدار في مستوى التعاطي مع قضايا المجتمع ومصالحه المشروعة، فحكومات البلدان المتطورة لم تغفل دور الصحافة في مجتمعاتها، ولكي تتلاشى المخاوف التي تعتري نفوس العاملين فيها قدمت حزمة قوانين تحمي أصحاب الكلمة الحرة، ليعملوا في فسحة من الاستقلال وأفق عال من الحيادية، لكي يتجاوزوا التحديات التي تعترض سبل مسيرتهم في بناء مستقبل بلدانهم، وتطور مجتمعاتهم وازدهار حضارتهم، والحفاظ على أصالة شعوبهم وثقافتها وأخلاقيات أفرادها، وليعضدوا العمل المؤسساتي، ليكونوا ركنًا رصينًا في تنمية بلدانهم، اذا ما أرادوا الانعتاق حتى وضعت لها تلك الحكومات نظما مختلفة وسياسات مهنيَّة راقية، تنسجم مع أهدافها وتوجهاتها وتطلعاتها، إدراكاً منها بأهميتها لما تؤديه من وظائف كبيرة وخطيرة في المجتمع.
الصحافة التي يتطلع لها الشعب العراقي هي تلك التي تتمسك بمفهوم توعية الجمهور، بكل أطيافه واعتبارها وسيلة الاتصال الهادف وإحدى لبنات البناء الؤسساتي المتطور، بمعزل عما يزيحها عن وجهتها السليمة أو يبعدها عن السياق الوطني لديمومة وحدة المجتمع وتماسك قواه المختلفة.