شعوبٌ في مَرمَى الصِّراعات

آراء 2024/01/10
...

سيامند خليل


المعادلات الجديدة في السودان تعيد العنف القديم، ويستمر الصراع المسلح دون توقف، مخلفاً آلاف القتلى من المدنيين. محليًا، يبدو أن الصراع على السلطة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الردع السريع هو السبب المباشر للاشتباكات
 أما دوليًا فلها دلالات أخرى. اندلعت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم، وتحديدًا في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.
وخلال فترة قصيرة، اندلع أعمال عنف واسعة النطاق في أنحاء البلاد.
تسببت الاشتباكات في نزوح أكثر من سبعة ملايين شخص، وقتل آلاف المدنيين، مع تفاقم كارثة سوء التغذية، خاصة بين الأطفال.
أضحى السودان الآن تحديًا آخر من قائمة التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي. بالرغم من اختلافات كبيرة بين القوى المتحاربة على الأرض، هناك مخاوف أكبر من أن يؤدي التدخل الخارجي إلى تفاقم الأزمة على صعيد دولي.
بينما كان المجتمع الدولي مشغولاً بالحرب الأوكرانية، تمكنت حرب على غزة من التحوير في انتباه العالم، وذلك مع تزايد المشاهد المُؤلمة من قتل اعداد هائلة من الابرياء والأطفال نتيجة القصف العشوائي للمنازل والمدارس والمستشفيات، مما أثار اهتمام الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، وجعلها أكثر وضوحًا وأولوية على الساحة الدولية.
الآن وفي ظل تضارب المصالح الدولية، يبدو أن السودان يعدُّ كالمرشح البديل لجذب انتباه العالم إلى نافذة أخرى، بمعنى اخر إذا قرر العالم الصراخ من اجل الانسانية، فليكن من أجل السودان وليس الغزة.
من هذا المنطلق يمكن أن يعدُّ أي مناشدة دولية للحد من العنف في السودان مع دعم استمراريتها في غزة، محاولة لتضليل الرأي العام و ازدواجية في المعاير الانسانية.
بعيداً عن المقارنة في عدد الضحايا والأضرار الناتجة، فإن القاسم المشترك بين هذه الحروب هو التدخل الأجنبي، والذي يُعد أحد أهم أسباب استمرارها وتفاقمها.
ففي الحرب الأوكرانية، تدعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أوكرانيا في مواجهة روسيا، وذلك تحت زريعة الحق في الاستقلال السياسي للأوكرانيين.
وقد أدى هذا التدخل إلى تصاعد وتيرة الحرب وزيادة الخسائر البشرية. أما في فلسطين فالعكس صحيح، بالرغم من مشروعية القضية الوطنية، فلا يؤيدون إيقاف الحرب أوقع بآلاف الضحايا من المدنيين والأطفال الأبرياء.
وفي تناقض آخر تدعم الولايات المتحدة الأمريكية تدخلا سريعا بهدف تحقيق السلام والاستقرار في السودان.
إذا تم تعريف الحرب الأوكرانية على أنها صراع بين دولتين مختلفتين، فإن الحرب السودانية هي صراع داخلي بحت، بينما تُعد الحرب على غزة صراعًا متعدد الأبعاد، يشمل صراعًا داخليًا وإقليميًا ودوليًا يعكس تضارب المصالح بين القوى المؤثرة على فرض الهيمنة في الشرق الأوسط، بغض النظر عن الثمن.
يمكن أن يدل هذا التسلسل من الحروب المدمرة على أن الخارطة الجيوسياسية في مركز العالم تشهد صراعات حادة بين القوى الدولية، حيث تسعى كل قوة إلى تعزيز مصالحها ونفوذها في المنطقة. ويبرز هذا الصراع في مطالبات الشعوب المتطلعة إلى الحد من الهيمنة الخارجية، والتي تدفع ثمنها باهظًا.