أ.د عامر حسن فياض
استطاع الفكر السياسي للصهيونيَّة الدينيَّة المزاوجة بين العقيدة الدينية الموسوية والصهيونية كفكرة وحركة سياسية غير دينية، كاسراً بذلك الاعتقاد اليهودي الموسوي التقليدي الديني النقي القائم على حرمة القيام بعمل بشري لإقامة دولة يهودية عاصمتها القدس.
وقد استدعت الحركة الصهيونية النصوص المقدسة، التي تؤطر وتوظف توظيفاً غير بريء مكانة القدس في الديانة اليهودية، لصالح المشروع الاستيطاني المستند على فرض الهيمنة على القدس، وكل فلسطين بشقيها (الهيمنة السياسية والهيمنة الدينية).
وتميز هذا المشروع بطابعه التدريجي الاحتلالي الخبيث، وهو يسعى نحو تحقيق أهدافه السياسية، ليجعل من مشروعه الغاصب لفلسطين جزءا من الوعد الإلهي، ومن ثم فإن أي محاولة تقوم بها حكومة الكيان الصهيوني للتنازل على مشروعها ستبدو مخالفة لذلك الوعد.
هكذا تمت مكيجة الصهيونية بالدين اليهودي، وقد ساعدت هذا المشروع صهيونية أصولية مسيحية يمينية متطرفة وصهيونية عروش وعباءات متأسلمة، حيث يعتقد اتباع الصهيونية المسيحية أن ثمة اشارات إلهية تسبق العودة الثانية للمسيح، تتمثل بسيادة صهيونية يهودية على القدس سياسياً ودينياً، حسب نبوءات العهد القديم على وفق معتقد ثابت عند الكنائس البروتستانتية المتصهينة في الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، وهي أكبر الداعمين لقيام اسرائيل وبقائها وسيادتها على الأرض المقدسة، وهي المساندة لإعادة تشييد الهيكل الثالث بعد إزالة المسجد الاقصى وقبة الصخرة، لأنه الموضع الذي ينبغي أن يبنى الهيكل بحسب ما تريد الصهيونية.
لذلك أيدت المسيحية الصهيونية المعاصرة المشروع الصهيوني لاستعمار فلسطين، كوسيلة لقيام مملكة المسيح بعد تحقق شروط العودة، لتشرع الكنائس البروتستانتية المتصهينة، للمطالبة بمساندة الكيان الصهيوني وسيادته على ما تسميها أرضها التاريخية، تمهيداً للعصر الألفي السعيد، ولتصبح سيادة حكومة الكيان الصهيوني على القدس وكل فلسطين، وهدم المسجد الأقصى لازمة من لوازم وعود إلهية دينية، تتشارك بها كل من الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، ومصداق ذلك أن الذي قام بمحاولة إحراق المسجد الأقصى عام 1968 هو استرالي بروتستانتي وليس يهوديا، لذلك فإن الترابط بين المشروع الصهيوني المسيحي والصهيوني اليهودي، خلق قناعة لدى الأصوليين المسيحيين، بأن عودة المسيح ثانية وإقامة مملكة الحكم الألفي لا بد أن تسبقها عودة اليهود إلى فلسطين، وسيطرتهم عليها عند إقامة دولتهم، ومن ثم فرض سيادة دينية وسياسية على القدس، وهو ما انتج نوعا من التكامل بين مشروعي الأصولتين اليهودية والمسيحية المتطرفة.
اما عن الصهيونية المتأسلمة ( لحايا وعباءات وعروش) فإنها دعمت بالمال وبالسلاح كل من عمل على تصفية قضايا التحرر الوطني في المنطقة، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية راكعة بذلٍّ وخذلانٍ لمخططات الصهينة الرأسمالية الغربية المتوحشة.
إن بركات طوفان الاقصى كشفت عن الأقنعة وتجاوزت النواقص، وعالجت الاعوجاج لتتعرى الصهيونية، بوصفها حركة سياسية استعمارية عنصرية لا دين لها، مثلها مثل الإرهاب لا دين له رغم كل محاولات مكيجتها بقدسية دينية، من قبل اليهودية اليمينية المتطرفة والمسيحية اليمينية المتطرفة والاسلاموية اليمينية المتطرفة، كانت وستبقى حركة سياسية استعمارية احتلالية عنصرية، منذ النشأة حتى يومنا هذا، ولو كانت الصهيونية يهودية حقيقية ومسيحية نقية وإسلاميَّة رحمانية، لما قتلت أسرى المقاومة من اليهود ولما قصفت الكنائس وهدمت المساجد في غزة.
ومن بركات طوفان الأقصى بركة انكسار وهزيمة الكيان الصهيوني من داخله اثر الانقسامية بين التيار الصهيوني الديني والتيار الصهيوني الليبرالي، واندحار السردية الصهيونية في حروب الإعلام والمعلومات ليعرفها الرأي العام العالمي، بوصفها سردية ظالمة لا مظلومة، وغاصبة لا مغتصبة، وعنصرية لا متسامحة وقاتلة
لا قتيلة.
ومن بركات طوفان الأقصى نشهد أن المقاومة صنعت معادلة وحدة الساحات واستقلالية قرارات كل ساحة في خدمة أهدافها الوطنية، وأصبحت الكلمة للميدان.
فبعد أن كانت كل ساحة مقاومة تقول ثم تفعل تحولت إلى ساحة تفعل ثم تقول، وتلك هي ساحة المقاومة الفلسطينية الموحدة تجاوزت إشكالية ان القضية الفلسطينية هي قضية دينية، لتظل قضية تحرر وطني، وإن مستقبل غزة والضفة الغربية لا يحدده سوى الشعب الفلسطيني، وقواه السياسية ضمن قافلة تحرر وطني فلسطيني، تقودها مقاومة لا يردعها عواء الخارج الاقليمي والدولي المتصهين.