هل صديقي على حقٍ في رؤاه؟

الصفحة الاخيرة 2024/01/10
...

زيد الحلي

أيامٌ قليلة مضت على توديعنا سنة 2023، ومع ترحيبنا بسنة 2024، صادفتني حالة حملت غرابة، وجدتُ من المناسب مشاركة القرّاء بها، إذ لم يدر في خلدي أنَّ تهنئتي بقدوم السنة الميلاديَّة الجديدة، ستجعل من صديقي وزميلي الذي دامت (عشرتنا) أكثر من أربعين عاماً، شخصاً فاقداً لهدوئه المعروف، بل تحول الى إنسانٍ مكفهر الوجه، حيث استقبل تهنئتي ببرودٍ يشبه الاستهجان، وحين سألته عن موقفه هذا، قال بصوتٍ مخنوق: تهنئني بغلق صفحة من حياتي، واستقبال أخرى تقربني الى ما لا أريد، أليسَ للإنسان عمرٌ محددٌ؟
وزاد في قوله: أنا الآن في عمر أتوسل أيامه أنْ تطولَ، وساعاته ألا تنتهي، ولا أريد أحداً يشعرني بأنَّي تقربت من نهاية مشوار الحياة وأنا حيٌ، رغم أنَّ الموت حق.
أعادتني حالة صديقي، الى خارطة جدليَّة الحياة التي نعيش: في مرحلة الطفولة نتمنى أنْ تسرع الحياة، لمسك خيوط الصبا والشباب، ثم نحث الخطى لبلوغ الرجولة، وبعدها تبدأ تخيلات ما بعد ذلك، لكنَّ العاقل هو من يفهم حقيقة البداية والنهاية في كل شيء، مثل الربح والخسارة، فالربح يثيرُ الفرحَ، والخسارة تسبِّبُ الألم.
لقد تذكرتُ رواية الرائع  دوستويفسكي "الإخوة كارامازوف" وحديثه فيها عن تناقضات النفس البشريَّة إذ يذكر "نحن أناسٌ على حالة الطبيعة، يختلطُ فينا الخير والشر اختلاطًاً غريباً.
نحب الثقافة، لكنَّنا نعربد في الحانات، نكره أنْ نكون مضطرين إلى العطاء. ولكنَّنا في مقابل ذلك نحب أنْ نأخذَ كل شيء" ويعني الكاتب الكبير أنَّنا إزاء أناسٍ قادرين على أنْ تضمَّ نفوسُهم جميع تناقضات الحياة، وترنو بأبصارهم إلى الهوتين المتناقضتين في آنٍ واحدٍ؛ الهوّة العليا التي تحلقُ فيها أنبل المثل، والهوة السفلى التي يغوصُ فيها أدنأ أنواع السقوط.
لزميلي العزيز أقول: عش يومك، ولا تفكر بالغد إلا بما هو نافعٌ وخير، وتأكد أنَّ هناك من يشعر بك من دون أنْ تنطقَ بكلمة، وهناك من لا يسمعك ولو تحدثت أمامه العمر كله، فلا تضيع وقتك في التفكير بما هو آتٍ.. فعلاً.