زيارة بلينكن للمنطقة.. مقاربةٌ جديدةٌ أم ماذا؟

آراء 2024/01/14
...







 محمد صالح صدقيان

هذه هي الجولة الرابعة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد السابع من اكتوبر للمنطقة، والذي يبحث تداعيات الحرب علی غزة وآلية وقف اطلاق النار والإفراج عن الرهائن
الاسرائيليين.
الزيارة شملت دولة اسلامية هي تركيا وأخری أوروبية اليونان، وثلاث دول مؤثرة هي السعودية والامارات والاردن ودولتين تلعب دور الوساطة بين حماس والكيان الاسرائيلي هي مصر وقطر، اضافة الی الكيان الاسرائيلي، الذي تتقاطع عنده خطوط الاتصال، دون أن ننسی الرسالة، التي بعثت بها واشنطن لطهران، قبل أن يشد بلينكن الرحال للمنطقة التي تعيش علی جُرح غزة
المفتوح.
ولكل من هذه المحطات دلالة معينة ودور في تطورات الاحداث التي حرص بلينكن أن يُولّد صورة عن آلية وقف اطلاق النار في غزة والذهاب لـ «اليوم الاخر» بعد أن تضع الحرب أوزارها.
كان لافتا استبعاده زيارة لبنان المنخرطة في هذه التطورات، حيث ترك المجال لمنسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوربي جوزيب بوريل زيارة بيروت، ولقاء زعمائها بما في ذلك رئيس المكتب السياسي لحزب الله النائب محمد رعد.
لم تتحدث المعلومات التي تسرّبت عن لقاء بلينكن مع قادة الدول، التي زارها عن مشروع حمله القادم من واشنطن، لأطفاء نيران الحرب علی غزة، لكننا سمعنا حرصه علی عدم اتساع رقعة الحرب ؛ وتبادل المعتقلين وايصال المساعدات إضافة إلی بحث «اليوم الاخر» وهي في حقيقة الأمر أهداف اسرائيلية، تحاول تأمين الأمن الاسرائيلي قبل أن تكون أيَّ شيء آخر؛ بمعنی آخر هي تريد المساهمة لحفظ ماء الوجه الإسرائيلي، الذي أريق في غلاف غزة في السابع من اكتوبر دون أن تعطي مساحة واضحة للفلسطينيين في العيش بسلام داخل أراضيهم، بعيدا عن الاستفزاز والمحاصرة والاعتداء والاعتقال والاغتيال.
ما زال انتوني بلينكن ومعه جاك سليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، يعتقدون بفكرة إمكانية دمج الكيان الاسرائيلي في النظام الأمني الإقليمي، التي أسقطتها عملية السابع من اكتوبر، وتشكيل النظام الامني الاقليمي وفق المقاسات الاسرائيلية.
الرسالة التي ارسلتها واشنطن عبر وسيط خليجي لطهران عشية زيارة بلنكن تقترح - كما أكدها سفير ايران لدی دمشق حسين اكبري – حلا سياسيا شاملا لازمات المنطقة شريطة ضبط النفس ومنع الإنزلاق لحرب اقليمية شاملة. طهران اجابت بشكل واضح لحامل الرسالة أنها منخرطة في مثل هذه الظروف بمسارين؛ الأول عدم اتساع رقعة الحرب لأنها أمنية نتنياهو من اجل ابتزاز الموقف الامريكي لحدوث مواجهة أمريكية إيرانية؛ والثاني وقف إطلاق النار بالسرعة المطلوبة، لإنقاذ سكان غزة من الماكنة العسكرية الإسرائيلية، التي تمارس الإبادة البشرية والإنسانية في غزَّة وإيصال المساعدات لهؤلاء الفلسطينيين، الذين دخلت معاناتهم شهرها الرابع بغطاء عسكري، وفّرته الادارة الامريكية ؛ أما «اليوم الاخر» الذي تسعی اليه الأطراف المعنية، فترسم معالمه في داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك قطاع غزة بعدما مزق نتنياهو اتفاقيات أوسلو وجعلها بمزبلة التاريخ؛ تبقی قضية فتح ساحات جديدة فالجانب الإيراني أوضح وبوضوح أنه غير قادر علی السيطرة الكاملة لسلوك أصدقائه، ناصحا الجانب الأمريكي عدم اثارة الشارعين العربي والإسلامي، أكثر مما هو عليه الآن وأن الأوضاع وصلت حتى لا يمكن التكهن بمآلاتها وعلی الجانب الأمريكي العمل علی عدم اتخاذ أي خطوة من شأنها تصعيد الموقف في المحيط الفلسطيني، وتحديدا في جنوب لبنان وفي البحر الأحمر.
الوسيط الذي حمل الرسالة الأمريكية حرص علی التوضيح للجانب الإيراني أن الجواب علی الرسالة سوف يسلم لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، خلال زيارته لبلده وهذا ما تم.
مصادر دبلوماسية مواكبة نقلت أن الوزير بلينكن سمع من جميع زعماء الدول، التي زارها عدم رضاهم علی الأداء الأمريكي المؤيد للكيان الاسرائيلي في الحرب علی غزة؛ كما أنهم نقلوا له بشكل واضح، عدم موافقتهم علی ترحيل سكان غزة إلی خارج الأراضي الفلسطينية؛ الأمر الذي جعله يشدد علی إمكانية السير باتجاه تأقلم الكيان مع المحيط الإقليمي في إطار برنامج إقليمي لسد الفراغ الأمني في المنطقة.
شخصية دبلوماسية إقليمية رأت أن الإدارة الأمريكية الحالية، مترددة باتخاذ أي قرار من شأنه التأثير علی الانتخابات الرئاسية، وهي تعلم أن الشأن الخارجي، قد لا يؤثر بشكل مباشر علی سير هذه الانتخابات، لكن اللوبي اليهودي «ايباك»، الذي ينشط في الأروقة الداخلية هو الذي يعمل في الداخل الأمريكي، وبالتالي الإدارة لا ترغب بدغدغة مشاعر هذ اللوبي للعمل ضد الديمقراطيين، الذين لا يمرون بظروف انتخابية يحسد عليها. وتزيد هذه الشخصية أن واشنطن هي الطرف الوحيد، الذي تستطيع أن تحسم الحرب في غزة، خصوصا أن بلينكن حرص علی لقاء رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، قبل أن يلتقي نتنياهو خلال زيارته لفلسطين؛ لأن ترك التطورات بيد حماس القريبة من إيران وبيد أصدقاء إيران المنضوين تحت يافطة «محور المقاومة» لن يخدم الأمن القومي الإسرائيلي وهو ما يؤمن به رئيس المخابرات المركزية الأمريكية وليام
بيرنز.
وفي ظل هذه الاجواء تامل المنطقة أن يخرج وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن بمقاربة تختلف عن سابقاتها، من أجل ليس دعم مصلحة الشعب الفلسطيني، وانما من أجل تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة، وإعادة المصداقية الأمريكية، التي تسير علی رجل واحدة كالبطة العرجاء.