عبد الهادي مهودر
كنَّا مجموعة اصدقاء في گروب خاص نتبادل الآراء حول قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق باليمن، ومن قراءة أولى للقرار وجدت أنَّه يُعطي تخويلاً ضمنياً بتوجيه ضربة عسكريَّة (للحوثيين)، وشاركني عضو رئيسي في الرأي، وردّ أحد أعضاء الگروب معترضاً بعدم وجود تخويل، وقال صديقٌ آخر إنَّ القانون الدولي لا يسمح باللجوء الى القوة إلا تحت البند السابع، وامتنع أربعة أعضاء عن التصويت، وكل ما تقدم من آراءٍ صحيحٌ فليس في القرار نصٌّ صريحٌ بالتخويل والقانون الدولي لا يسمح بذلك، لكنّ القانون كما في كل مرة بيد عازف القانون والفرقة الموسيقيَّة، وهذا القرار السريع صدر على طريقة لعبة الأمم بما يشبه التخادم، وعلى الطريقة العراقيَّة بما يشبه التوافق، والدول التي سعت للحصول على تخويلٍ حصلت على مرادها بفقرة (حق الدفاع عن النفس) وكما هو معروفٌ في كل قواعد الألعاب فالهجوم هو خيرُ وسيلةٍ للدفاع، ومن ناحيتنا نحن أعضاء الگروب فقد واصلنا النقاش الى وقتٍ متأخرٍ من ليلة الجمعة الماضية حتى غلبَنا النومُ وسكتنا عن الكلام المباح الى أنْ أدركنا الصباح بأخبار وعواجل بدء العمليَّة العسكريَّة بقيادة أميركيَّة - بريطانيَّة ومشاركة عددٍ من الدول (الصديقة والشقيقة) وبهجومٍ جوي وصاروخي شمل عدداً من الأهداف في المدن اليمنيَّة، وكنّا على يقين بأنَّ الضربة آتية لا ريب فيها بتخويل ومن دون تخويل، ويبدو أننا لسنا الوحيدين فأعضاء مجلس الأمن الدولي الذين حضروا الجلسة انقسموا حول الضربة وتفسير القرار وسارع بعضهم الى قصف اليمن قبل أنْ يجفَّ حبره الالكتروني، ورأت روسيا أنّ القرار لعبة سياسيَّة وأنّ أميركا هي من تخرقُ القانونَ والقرار لا يمنح حق توجيه الضربات العسكريَّة، ومع ذلك فالقرار صدر رغم الإدانات والضربة حصلت مباشرةً بعد القرار الذي اعتمده المجلس بأغلبيَّة 11 عضواً وامتناع 4 أعضاءٍ عن التصويت، بينهما روسيا والصين العزيزتان، وصاغته الولايات المتّحدة واليابان (حتى أنت يا بروتس)، وظهر للجميع أنّ أعضاء مجلس الأمن الدولي متفقون على الاختلاف بشكلٍ شبيهٍ باتفاق المتحاربين على قواعد الاشتباك.
وعلى هامش الجدل وخارج الگروب سألني صديقٌ لماذا لا تتناقشون في قضيَّة عراقيَّة (كالحصة التموينيَّة مثلاً) وتتركون هذه الحرب التي لا ناقة لكم فيها ولا جمل وبيننا وبينهم آلاف الكيلومترات، وهو سؤالٌ يشبه سؤال مذيعة قناة بي بي سي العربيَّة، حين قالت لقيادي حوثي في حوارٍ تلفزيوني، ما دخلكم بالحرب وبينكم وبين غزة آلاف الأميال؟ فردَّ عليها الضيف، وهل يسكن الرئيسان الأميركي والفرنسي معهم في نفس الطابگ؟! من بين عدة أسئلة وأجوبة تستحق أنْ تدرّسَ في كليات الإعلام الحكوميَّة والأهليَّة كنموذج للحوارات التي تضع مقدّم البرنامج تحت ضربات الضيف المبرحة وفي زاوية محرجة ووضعٍ لا يحسد عليه، وكيف يؤدي التوجيه والانحياز في الإعلام الى فشلٍ في الإعداد والتقديم، مع أنَّ الحوار الساخن تحوّل الى مادة ممتعة في هذا الجو الكئيب، وشرُّ البليَّة ما يُضحك، أما گروبنا الخاص وعدد أعضائه أقل من عدد المؤيدين لقرار مجلس الأمن الدولي، فقد أخذْنا بالنصيحة والتقينا لمناقشة مفردات الحصة التموينيَّة، في مطعم باچة.