التبعاتُ الخطيرةُ لارتكاب الأخطاء بتقدير المواقف السياسية

آراء 2024/01/17
...







 عبد الحليم الرهيمي


يتخذ قادة بعض الدول والأحزاب والجماعات السياسية تقديرات وحسابات خاطئة في رسم وإعلان المواقف ‏المهمة من قضايا الشعب والبلاد، وخاصة ما يتعلق بقضايا السلم والحرب والعلاقات مع الدول الإقليمية ‏والعالمية، فيؤدي ذلك إلى تبعات سلبية خطيرة ومدمرة دون تحقيق النتائج، التي افترض انجازها عند اتخاذ تلك ‏المواقف والتقديرات الخاطئة !‏ وهذه الظاهرة – الحالة الواقعية التي وجدت في العديد من البلدان والشعوب بمختلف العصور التاريخية تكررت ‏امامنا في العقود الأخيرة. ويحضرني في هذا المجال تذكر ما قاله لي أحد الطلاب الجامعيين، الذي يدرس ‏بكلية العلوم السياسية ان استاذ المادة ابتدأ المحاضرة الاولى من الدرس بالكتابه على اللوحة (السبوره) أرقاماً ‏حسابية خطأ، الأمر الذي أدى بعدد من الطلبة إلى تنبيه الاستاذ لذلك الخطأ، فابتسم الاستاذ وتوجه إلى ‏طلابه بالاعتذار مضيفاً : حسناً يا أولادي هذا الخطأ الحسابي يمكن مسحه بهذه الممحاة بيدي، لكن الخطأ ‏في تقدير أو رسم السياسات والمواقف لا يمكن مسحه الا بالخراب والدم وربما أعظم، فالسياسة الحقه التي ‏سندرسها تتطلب الرؤية والوعي العميق وتقدير جميع الظروف المؤثرة في اتخاذ ذلك القرار أو انتهاج تلك ‏السياسة وتبعاتها.‏لقد اندلعت الحربان العالميتان الاولى والثانية وما ترتب عليهما من تبعات وكوارث لشعوب البلدان الداخله فيها‏، وذلك نتيجة تقديرات وحسابات خاطئة بدواعي تحقيق مصالح خاصة ومناطق النفوذ.‏ ولعل الامثلة لاتخاذ القرارات والمواقف الخاطئة في بلداننا العربية، ومنها العراق تشير، إلى القرار الخاطئ ‏والمتسرع الذي اتخذه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر باغلاق مضائق تيران بوجه الملاحة ‏الإسرائيلية في البحر الاحمر في 23 أيار – مايو عام 1967 الامر الذي دفع اسرائيل لشن حرب الخامس من ‏حزيران، أي بعد أيام من ذلك القرار وأسفر ذلك عن احتلال سيناء والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، حيث ‏كانت الاولى تحت سيطرة المملكة الاردنية والثانية تحت السيطرة المصرية إضافة لاحتلال هضبة الجولان ‏السورية، حيث حصل كل ذلك بعد تدمير اكثر من 90 بالمئة من القوات المصرية وخاصة سلاحها الجوي ‏الذي دمر في الساعات الاولى لبدء الحرب. دفعت هذه الهزيمة الرئيس عبد الناصر إلى الاستقالة واعترافه ‏بخطأ اتخاذ ذلك الموقف نتيجة تقديرات وحسابات خاطئة. صحيح أن غالبية الشعب المصري تظاهر رافضاً ‏استقالة ناصر، التي عاد عنها تالياً، لكن خطأ الحسابات والتقديرات بقيت حتى اليوم، وستبقى راسخه في ‏أذهان شعوب المنطقة وأن آثارها وما ترتب عليها من كوارث وخراب ودمار وضحايا. ‏

اما في العراق، فقد اتخذ نظام صدام الدكتاتوري السابق قراران خاطئان واحمقان واجراميان في آن واحد، كان ‏القرار الاول هو تمزيق رئيس النظام اتفاقية عام 1975 التي عقدت بين شاه ايران وصدام برعاية العّراب ‏الجزائري الرئيس هواري بومدين، وتنازل فيها العراق الكثير من حقوقه وسيادته، وكان الإعلان عن تمزيقها ‏والغاء الالتزام بها في شهر ايلول – سبتمبر عام 1980 بعد عام من انتصار الثورة في ايران الشرارة الاولى ‏لاندلاع حرب الثماني سنوات، صحيح ان تمكن العراق من منع إيران من احتلال العراق، حسب رواية النظام ‏التي قدمت لتبرير القرار الاجرامي الخاطئ بشن الحرب، وارغم قائد الثورة آنذاك على (تجرع كأس السم) ‏بموافقة ايران على القرار 888، لكن ذلك لا يلغي مسؤولية النظام بقراره الخاطئ والاجرامي بشن الحرب، التي لا ‏يزال العراق وايران يدفعان ثمنها الغالي.‏اما القرار الخاطئ والاحمق الثاني، فهو قرار النظام غزو واحتلال الكويت، وهي دولة عربية اسلامية جارة ‏وعضو في منظمة الامم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة العالم الاسلامي، ولها علاقات وثيقة مع عدد من ‏الدول الغربية ولها قواعد في أراضيها، ودولة بهذا التوصيف السياسي الجغرافي الدولي شكل القرار الاحمق ‏الخطأ جريمة كبرى بحق العراق والكويت وشعبيهما... تلك هي بعض الدروس والعبر التي ينبغي ان يضعها ‏اصحاب القرار في الدولة والمجتمع بعين الاعتبار والحساب للمرة الألف، بعدم ادخال العراق وشعبه بأية حرب ‏جديدة.‏