عبد الحليم الرهيمي
يتخذ قادة بعض الدول والأحزاب والجماعات السياسية تقديرات وحسابات خاطئة في رسم وإعلان المواقف المهمة من قضايا الشعب والبلاد، وخاصة ما يتعلق بقضايا السلم والحرب والعلاقات مع الدول الإقليمية والعالمية، فيؤدي ذلك إلى تبعات سلبية خطيرة ومدمرة دون تحقيق النتائج، التي افترض انجازها عند اتخاذ تلك المواقف والتقديرات الخاطئة ! وهذه الظاهرة – الحالة الواقعية التي وجدت في العديد من البلدان والشعوب بمختلف العصور التاريخية تكررت امامنا في العقود الأخيرة. ويحضرني في هذا المجال تذكر ما قاله لي أحد الطلاب الجامعيين، الذي يدرس بكلية العلوم السياسية ان استاذ المادة ابتدأ المحاضرة الاولى من الدرس بالكتابه على اللوحة (السبوره) أرقاماً حسابية خطأ، الأمر الذي أدى بعدد من الطلبة إلى تنبيه الاستاذ لذلك الخطأ، فابتسم الاستاذ وتوجه إلى طلابه بالاعتذار مضيفاً : حسناً يا أولادي هذا الخطأ الحسابي يمكن مسحه بهذه الممحاة بيدي، لكن الخطأ في تقدير أو رسم السياسات والمواقف لا يمكن مسحه الا بالخراب والدم وربما أعظم، فالسياسة الحقه التي سندرسها تتطلب الرؤية والوعي العميق وتقدير جميع الظروف المؤثرة في اتخاذ ذلك القرار أو انتهاج تلك السياسة وتبعاتها.لقد اندلعت الحربان العالميتان الاولى والثانية وما ترتب عليهما من تبعات وكوارث لشعوب البلدان الداخله فيها، وذلك نتيجة تقديرات وحسابات خاطئة بدواعي تحقيق مصالح خاصة ومناطق النفوذ. ولعل الامثلة لاتخاذ القرارات والمواقف الخاطئة في بلداننا العربية، ومنها العراق تشير، إلى القرار الخاطئ والمتسرع الذي اتخذه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر باغلاق مضائق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية في البحر الاحمر في 23 أيار – مايو عام 1967 الامر الذي دفع اسرائيل لشن حرب الخامس من حزيران، أي بعد أيام من ذلك القرار وأسفر ذلك عن احتلال سيناء والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، حيث كانت الاولى تحت سيطرة المملكة الاردنية والثانية تحت السيطرة المصرية إضافة لاحتلال هضبة الجولان السورية، حيث حصل كل ذلك بعد تدمير اكثر من 90 بالمئة من القوات المصرية وخاصة سلاحها الجوي الذي دمر في الساعات الاولى لبدء الحرب. دفعت هذه الهزيمة الرئيس عبد الناصر إلى الاستقالة واعترافه بخطأ اتخاذ ذلك الموقف نتيجة تقديرات وحسابات خاطئة. صحيح أن غالبية الشعب المصري تظاهر رافضاً استقالة ناصر، التي عاد عنها تالياً، لكن خطأ الحسابات والتقديرات بقيت حتى اليوم، وستبقى راسخه في أذهان شعوب المنطقة وأن آثارها وما ترتب عليها من كوارث وخراب ودمار وضحايا.
اما في العراق، فقد اتخذ نظام صدام الدكتاتوري السابق قراران خاطئان واحمقان واجراميان في آن واحد، كان القرار الاول هو تمزيق رئيس النظام اتفاقية عام 1975 التي عقدت بين شاه ايران وصدام برعاية العّراب الجزائري الرئيس هواري بومدين، وتنازل فيها العراق الكثير من حقوقه وسيادته، وكان الإعلان عن تمزيقها والغاء الالتزام بها في شهر ايلول – سبتمبر عام 1980 بعد عام من انتصار الثورة في ايران الشرارة الاولى لاندلاع حرب الثماني سنوات، صحيح ان تمكن العراق من منع إيران من احتلال العراق، حسب رواية النظام التي قدمت لتبرير القرار الاجرامي الخاطئ بشن الحرب، وارغم قائد الثورة آنذاك على (تجرع كأس السم) بموافقة ايران على القرار 888، لكن ذلك لا يلغي مسؤولية النظام بقراره الخاطئ والاجرامي بشن الحرب، التي لا يزال العراق وايران يدفعان ثمنها الغالي.اما القرار الخاطئ والاحمق الثاني، فهو قرار النظام غزو واحتلال الكويت، وهي دولة عربية اسلامية جارة وعضو في منظمة الامم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة العالم الاسلامي، ولها علاقات وثيقة مع عدد من الدول الغربية ولها قواعد في أراضيها، ودولة بهذا التوصيف السياسي الجغرافي الدولي شكل القرار الاحمق الخطأ جريمة كبرى بحق العراق والكويت وشعبيهما... تلك هي بعض الدروس والعبر التي ينبغي ان يضعها اصحاب القرار في الدولة والمجتمع بعين الاعتبار والحساب للمرة الألف، بعدم ادخال العراق وشعبه بأية حرب جديدة.