المقالة القانونيَّة

آراء 2024/01/17
...

 القاضي ناصر عمران 

الكتابة رؤية تفكيكية للراهن تستدعي خلالها الحاضر لتركب المستقبل. وهي ترتيب لمفاصل الموضوع للخروج بهيكلية قادرة على استلال الرؤية من تزاحم الافكار والخروج بها. نسقا مكتملا بشهادة ميلاد لهذا الموضوع. والنسق بشكل عام يتخذ أشكالًا عديدة في الكتابة باعتبارها وسيلة حضارية استخدمها الانسان للاتصال وكذلك تدوين تاريخه وحضارته . والمعنى الاصطلاحي للكتابة: هي  عبارة معقدة يأتي في محتواها تفسير للأفكار ونقل المعلومات. والمقالة  صورة من صور هذه الكتابة اتخذت لها  جنساً، يمنحها ذاتية ضمن التصنيف الخاص بالكتابة 

والمقالة فن باعتباره أحد أهم طرق التعبير المؤثرة بالمتلقي ومن خلفه الرأي العام. اضافة الى اعتبارها واحدة من أهم تجليات الفكر والرأي وانتشاره ومن خلالها نستقرأ مكامن النضج ومديات الرؤى والرؤية. 

فالمقالة بشكل عام : قطعة إنشائية، ذات طول معتدل، تدور حول موضوع معين أو حول جزء منه، تكتب بطريقة سهلة سريعة، تظهر فيها أحاسيس الكاتب ومبادئه الفكرية. وهناك من يضيف: لها مقدمة ولها وسط ولها نهاية. والحقيقة أنها تخضع في ذلك كله لبراعة الكاتب وقدرته على التأثير في القارئ، وإعطاء عمق لهذه الكتابة والبعد بها عن السطحية فهي بذلك. مرنة يستطيع كاتبها تشكيلها كيفما يشأ. أجمعت المراجع التاريخية على ان تأصيل الريادة في كتابة المقال ترجع للكاتب الفرنسي (ميشيل دي مونتين)، لذلك يقسم مؤرخو الأدب تاريخ المقالة الى مرحلتين متباينين، يقف (مونتين) حداً فاصلاً بينهما. القسم  الأول: هو الذي ظهرت فيه  محاولات كتابة المقالة  في صورتها البدائية الفجة، حين كانت الكتابات عبارة عن تجارب مضطربة لا يحكمها ضابط ولا يحدها قانون، وذلك قبل أن تتطور إلى صورتها الحديثة، حين أخذت طريقها نحو النضج والتكامل، وهو القسم الثاني: بعد أن اتخذت المقالة قالباً أضحى مقرراً ومعروفاً، فغدت فناً من فنون الأدب. كالملحمة والقصيدة الغنائية والمسرحية والقصة والسيرة وما إلى ذلك. والكاتب الفرنسي مونتين هو أول من كتب المقالة في العالم، في كتابه (محاولات) الصادر في عام 1585، لكن الحقيقة التي يراها المؤرخون المهتمون بهذا الفن الادبي، يجدون بان العالم والأديب البغدادي (بن الجوزي) سبق (مونتين) في كتابة المقالة، بعدة قرون في كتابه (صيد الخاطر) وأياً تكن ريادتها فإنها اتسعت وأخذت منحى أدبيا مستقلا لها عناصرها ولها أنواعها ومنها المقالة القانونية: والتي ظهرت وتبلورت مؤخراً على اثر التغييرات التي شهدها العالم والانفتاح التقني، الذي أوجد نوعًا من التخصص في الكتابة، وهي لا تختلف عن نظيراتها، لكنها تتصف بأشياء  تفتقر لها انواع المقالات الأخرى، فالمقالة القانونية صورة مختصرة لرؤية قد توضح القانون أو المادة القانونية أو تستفز النص القانوني، ليخرج مكنوناته وقد تسهم في شرح مشروعات القوانين، حينها ستكون عاملا مهما في انضاج مشروع القانون أو الحيلولة دون تشريعه في حال كونه لا ينسجم مع الرؤية. إن ثمة فرقًا واضحاً بين المقالة القانونية والشرح أو التفسير، فالمقالة رؤية لكنها تلامس نصا قانونيا وتتخذ موقفا منه، وفي عملها هذا انما تنتصف للتطبيق لان القانون في ذاته، يجد اهميته وجدواها من خلال التطبيق. 

وإن أهم ما يميز المقالات القانونية كنوع من أنواع المحتوى القانوني هو بساطة الأسلوب المستخدم في توضيح الحلول القانونية للفئات المستهدفة، وتظهر فاعلية هذا المحتوى في تحقيق الانتشار للخدمات القانونية، عند نشره على المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الانترنت، والذي يعنينا  ان المقالة القانونية وبعد ان وجدت لها حيزاً مهما من الظهور يكاد يغطي ويؤثر في أجناس أدبية أخرى، فلا بد لها أن تدخل مجالها الحيوي كمنتج، له متلقون يحرص على توضيح فكرته القانونية لهم  والحاجة اليوم مهمة الى حضور المقالة القانونية، باعتبارها الخطاب الاكثر سهولة وتأثيرا في المتلقي بنوعية الشعبي والمؤسسي، من اجل ايجاد ثقافة قانونية قادرة على خلق مجتمع يعي حقوقه وواجباته ويشكل جهة ضغط لإنفاذ القانون، لا عقبة في طريق تنفيذه، فالثقافة القانونية دعامة مهمة في خلق قاعدة شعبية متينة تؤمن بسيادة القانون.