كاظم الحسن
عندما تتجمد اللغة الفصحى، تقوم نظيرتها العامية بملء الفراغ، والطبيعة لا تحتمل الفراغ أو كما يقول المثل الحاجة أم الاختراع، سدنة الفصحى أو الحرس القديم لها، يعيب على اللغة الشعبية، لأنها تتنكر للتراث كما يزعمون، إلا أنهم يتناسون مستجدات العصر، تفرض نحت عبارات وجملا وكلمات حديثة، تواكب العصر وتتماشى مع تطورات الحياة، التي ترفض التقوقع والتجمد والتحنط. وهل ثمة حياة بلا أفق أو تجدد في مسارات اللغة نحو التطور والاستجابة للعصر ومقتضيات النهوض، والتي من اهم معالمها اللغة في احاطتها بالمتغيرات؟.
محاولات المجمع العلمي العربي لم يوفق في استحداث مصطلحات تواكب العصر ومتغيراته اللغوية، على سبيل المثال تعريب المصطلح الانكليزي أو الأميركي، الذي يخص مطاعم مكدونالد وهو (سندويج برغر) إلى ما يسمى «الشاطر والمشطور وما بينهما الكامخ»، تخيل عامل المطعم حين يسمع هذه المطولة أو المعلقة، سوف يحترق البرغر قبل إعداده. ولذا هنا يأخذ الشعبي، دوره في شغل الحيز المتاح وقد يكون أفضل من الفصيح، الذي يركز على الصورة وينسى المضمون، فيكون أثره باهتا ولا يؤدي دوره المطلوب، على أنجح ما يكون وحسب مقتضيات الحاجة الملحة في نحت الجمل أو المصطلحات الجديدة. لننظر إلى تعامل اللغة الشعبية مع المفردات الأجنبية أو الإنكليزية».
مصطلح توقف العجلة، التي يشار لها «ستوب» يتحول إلى هوب بالعربي، وكذلك مصطلح سكند الذي هو مساعد السائق، يسمى «سكن» بالعامية اما مصطلح المكالمة التلفونية، الذي هو بالأجنبية هلو يقال الو، اما «تمن» فهو ظهر من خلال صورة عشرة رجال على كيس التمن، والتي تعني عشرة رجال بالانكليزية، وثمة مصطلحات فارسية، بقيت كما هي مثل «جورباية»، والتي تعني أربع قوائم أو سيباية ثلاث قوائم، ومنها «سيبندي» ويسمى بالمصري «ابتاع ثلاث ورقات» ومصطلح «زبالة» التي هي نفايات، أو القمامة تأتي من شركة زبلن وهكذا دواليك مع الكثير من المصطلحات الاجنبية، التي تدخل إلى ساحة اللغة، وتتماهى معها وتصبح جزءا من اللغة اليومية وهو شيء طبيعي، ولا بد من النظر إلى اللغة، على أنها كائن حي قابل للتطور سواء، من خلال اللغة نفسها أو التناغم مع لغات أخرى إن كانت قريبة أو بعيدة حسب الحاجة الملحة للغة. اما اذا أخذنا الكلمات السومرية، فلها مدلولات لا تدركها الفصحى، مثلا «دللول» وهي ترنيمة الأم العراقية، لولدها قبل النوم، أو «ايطبه طوب» وهي توليفة سومرية شعبية معاصرة، كلمة «طب» تعني بالسومرية ضرب بعنف و»الطوب» يعني مدفع وضربه بعنف المدفع. وحتى اذا رجعنا للمفهوم السياسي في توظيف اللغة، نجد النظام المباد قد اشتغل على أهم ركيزتين، تعتمدهما الدكتاتورية في تكريس حكمها المستبد، وهما الإعلام والمخابرات وهذا النظام احتاج إلى توصيفات، فيها دلالات دينية حتى في ضرب شعبه بالاسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا، التي اطلق عليها الانفال وحربه ضد ايران، اختار لها تسمية بحروب الإسلام الاولى ومنها القادسية.
وبرر ذلك أمام الإعلام العربي، في الدفاع عن البوابة الشرقية، ومن جهة أخرى كان خطابه الشعبوي، يبرر تلك الحرب بأن العدو يحاول الاعتداء على العراقيات!. والعراقية هنا تحمل اكثر من صورة في الخطاب الشعبوي هي « ابن الملحة «، وهو تبخيس لقيمة المرأة والأم. وفي خطاب آخر يصفها بالماجدة.