أ. د عامر حسن فياض
مهمة جداً محاكمة إسرائيل من قبل أعلى مؤسسة قضائية في العالم، وكذلك مهم جداً تصاعد منسوب الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، بيد أن كسب كل هذه الجهات لا يحرر فلسطين من الاحتلال، ولا ينقذ غزة من العدوان دون المقاومة الفلسطينية المنزوعة من دسم مفاوضات سلطة (بلا سلطة) في رام الله والمدعومة من ساحات المقاومة الساندة في عالمنا، الذي تتسيد فيه قوانين القوة على حساب قوة القوانين.
بعد طوفان الأقصى دخلت المنطقة وشعوبها مرحلة جديدة لا تشبه ما قبلها بأي حال من الاحوال، وبقدر ماهي مرحلة محفوفة بالمخاطر، إلا أنها فرصة نادرة ولحظة تاريخية بامتياز علينا أن نلتقطها ونبني عليها، ولا نضيعها بعد أن كَشَر عدو الشعوب الرأسمالي المتصهين أنيابه وأظهر أبشع ضروب الحقد وأشكال الكراهية في التطهير العرقي والإبادة الجماعية لأهل فلسطين، ومقاومتها طوال ما يزيد عن مئة عام من القتل والتشريد والحصار والتجويع.
بعد طوفان الأقصى لن تغفر شعوب المنطقة أبداً لكل من قصر أو تقاعس أو تخلف أو أسهم في تبديد فرصة تصحيح مسار التاريخ، وإعادة وضع قضيته الوطنية النبيلة على سكة العدالة والإنصاف ليحاسب كل من ارتكب جرائم الإبادة.
وقبل إيقاف الإبادة البربرية على غزة ودونها لا معنى للتحركات والمبادرات السياسية والمفاوضات الدبلوماسية من كبار الدول المتصهينة وأقزامها المتأسلمة، والتي كثيرها غث وقليلها أكثر غثة، بعد أن لملم طوفان الأقصى الصفوف، ورتَّب البيت الفلسطيني الداخلي المقاوم ووضع بالتنسيق مع جبهات المقاومة خارج فلسطين معالم خارطة طريق، لإنقاذ فلسطين القضية والوطن والشعب والمقاومة.
إن معالم خارطة الطريق هذه تتمثل أولاً بالمبادرة فوراً ومن دون إبطاء ببذل كل الجهود، لوقف العدوان على غزة والوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار، وتحميل من يقف عقبة في الطريق المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية المترتبة على استمرار آلة القتل والتدمير الممنهج لقطاع غزة وأهله ومقاومته، والعمل ثانياً وبدون تأخير على كسر الحصار عن قطاع غزة وفتح معبر رفح من دون شروط وبصورة دائمة وبسط السيادة المصرية الفلسطينية عليه لإدخال كل ما يحتاجه أهل القطاع من ماء وغذاء ودواء وطاقة.
ولما كانت مؤامرة تهجير الفلسطينيين مازالت داهمة وتتصدر جدول اعمال حكومة الاحتلال الفاشية الصهيونية، بدأً بغزة وانتهاءً بالضفة الغربية فإن مواجهة هذه المؤامرة هي أولوية لاتعلوها أولوية أخرى تستوجب الاستنفار وتعبئة القدرات والموارد أزاءها ثالثاً. وتقتضي خارطة انقاذ فلسطين رابعاً اسناد المقاومة وتمكينها من اتمام صفقة شاملة لتبادل الأسرى والمحتجزين تنتهي بتبييض سجون الاحتلال وتخليص الأسرى الفلسطينيين من صنوف الإهانة والتعذيب، التي يتعرضون لها في سجون العدو والانتباه بدقة لما يحاك أميركيا وإسرائيليا وعربيا من مؤامرات، لتصنيع قيادة وإدارة فلسطينية مطواعة يراد فرضها بالترهيب والترغيب، من دون ارادة الشعب الفلسطيني ومقاومته على غزة.
كما ينبغي أن تتضمن الخارطة العمل على تشكيل مرجعية وطنية فلسطينية شاملة مؤقتة وانتقالية تضم جميع القوى والفصائل والشخصيات الوطنية الفلسطينية، دون استثناء داخل الوطن المحتل والمحاصر والشتات تقوم على الشراكة التامة بين قوى العمل الوطني الفلسطيني من دون اقصاء أو تهميش أو استبعاد تتولى دفة الاتصالات والمفاوضات في كل ما يتعلق بشأن غزة، وشعبها ومقاومتها وفلسطين وقضيتها. وهذا يتطلب تحرير السلطة الفلسطينية في غزة ومنظمة التحرير الفلسطينية من قيود أوسلو الثقيلة التي ركلها الاحتلال بأقدامه وانكشف زيف خدعة ان المفاوضات هي الحياة ولتصبح المقاومة هي الحياة بعد أن اصبحت المفاوضات دون المقاومة بحثاً عبثياً عن الحقوق التي إن لم تسندها عناصر القوة والاقتدار، فالعدو لا يفهم سوى لغة القوة، والعالم لا يحترم إلا الأقوياء.
كما أن معالم خارطة انقاذ فلسطين تقتضي بعد هذه الخطوات تشكيل حكومة كفاءات تكنوقراطية من شخصيات وطنية فلسطينية نظيفة اليد ونقية السريرة، تسعى لتوحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية بعد تخليصها من اثقال أوسلو، ومن اعباء التنسيق الأمني مع سلطة المحتل الصهيوني المجرّم دولياً، بوصفه تنسيقاً يعبر عن شراكة مباشرة أو غير مباشرة في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وفقاً للقانون الدولي. وإن هذه الحكومة الجديدة المقترحة تتولى مجموعة وظائف أبرزها إعادة توحيد اعمارها والتمهيد لإجراء انتخابات عامة (رئاسية وتشريعية)، ومجلس وطني فلسطيني من دون تعطيل أو تسويف أو بحث ممل في مبررات واعذار لعدم اجرائها والاهم احترام نتائجها أياً كانت. إن كل ما تقدم ينبغي ألا ينفصل عن حث قادة انظمة العرب والمسلمين والدول الصديقة حقاً لفلسطين القضية والوطن والشعب والمقاومة حثهم على تأمين شبكة أمان لشعب فلسطين وقضيته ومقاومته والاعتراف بفصائلها، بوصفها جميعاً مكونات اساسية في حركة التحرر الوطني الفلسطينية، ومساندتها في مواجهة محاولات الشيطنة والدعشنة، التي يشنها الكيان الصهيوني على حركتي حماس والجهاد بشكل خاص وعلى الشعب الفلسطيني بشكل عام. عندها سيكون لكفاح الشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه غير القابلة للتصرف الفضل الكبير، كخط دفاع أول عن أمن واستقرار المنطقة.