وصيَّة حسن العاني

الصفحة الاخيرة 2024/01/17
...

عبدالهادي مهودر



ما كان حسن العاني يعلمُ بأنَّ آخر عمودٍ صحفي يدفعه الى جريدة الصباح سيسبق وفاته بأسبوعٍ واحدٍ وقبل دفع عموده التالي بيوم واحدٍ فقط حيث موعد عموده الأسبوعي كل يوم ثلاثاء، لكنَّه كتبه بعنوان (وصايا) الى الشعب العراقي وهي آخر ما يكتبه ويوصي به قبل الرحيل، ووصايا العاني آخر ما نُشِرَ للراحل الذي فجعنا بوفاته أمس الأول، وآخر ما كتبه في الصحافة وصاياه!

وبرحيل الكاتب حسن العاني يفقد العمود الصحفي الساخر عموده الفقري، وتفقد الصحافة العراقيَّة واحداً من روادها الذين صنعوا البسمة والضحكة الساخرة في نفوس القراء ليأخذهم بعيداً عن الهم والحزن والإحباط، ويتجرع بمفرده المرارة مثل كل ساخرٍ من هذه الحياة وساخطٍ ومتذمرٍ يرى في الفكاهة سلاحه الوحيد في عراكنا المستمر، وفقدنا نحن كتّاب الصفحة الأخيرة في جريدة الصباح واحداً من المعلمين والأساتذة في هذا الفن السهل الممتنع، وفقد الوسط الصحفي العراقي اسماً كبيراً وقلماً ساخراً لامعاً.

أبو عمار يعرفه زملاؤه الذين رافقوه أكثر مني، شيخاً قصيراً وقوراً محبوباً وإنساناً طيباً دائم الابتسامة ولطيف المعشر، كتب مرةًّ في أيام الحصار والعوز أنَّ عصابة سرقة شاهدته ببدلته السوداء الأنيقة التي ربما لا يملك غيرها وربطة عنقه وحقيبته الدبلوماسيَّة، وظنوا أنهم وجدوا صيداً ثميناً بخطف هذا المليونير الكبير، قبل أنْ يكتشفوا محتوياتها (أوراق ومنشفة ولفة من خبز وخضراوات) وجيوب فارغة، ليمنحوه من جيوبهم أجرة العودة الى البيت مشكورين.

لستُ من أقرانه في العمر ومسيرة العمل ولم أقترب منه إلا مرات قلائل في السنوات الأخيرة في بعض المناسبات، كنتُ قارئاً له قبل أنْ التحقَ به تلميذاً بمرتبة زميل، حزنت كثيراً لفقده، هو مثل الضحكة حين تموت والأشياء الجميلة والغالية في حياتنا التي حين نفقدها نحزنُ ويقتربُ موعد مقالنا الأخير.

(إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون).