مهدي الصبيحاوي
اعتنق الدستور العراقي لسنة 2005 أهم مبدأ من المبادئ الديمقراطية، الا وهو مبدأ الفصل بين السلطات وذلك في المادة 47 وبموجبه فإن على كل سلطة من السلطات الثلاث أن تختص بالواجبات الملقاة على عاتقها المحددة في الدستور أو القانون، وبخلافه تكون منتهكة للدستور في طل الهندسة الدستورية المحددة في المواد 60/ 61/ 62/ 64 أولا من الدستور.
وقد اثار قانون المحكمة الاتحادية الجدل القانوني خاصة بعد ما انتهى العمل بقانون إدارة الدولة الانتقالية عام 2004 بمجيء دستور 2005 والى يومنا هذا ومن أهم الخلافات التي ثارها التعديل هو موضوع خبراء القانون والفقه الإسلامي.
اليوم بعد القرارات التي صدرت من المحكمة الاتحادية العليا أهمها عدم دستورية قانون تصديق اتفاقية خور عبدالله في القرار المرقم 105 / اتحادية / 2023 وعدم دستورية بقاء رئيس مجلس النواب في منصبه بالقرار المرقم 9/ اتحادية / 2023 أثير موضوع التعديل لقانون المحكمة الاتحادية مرة أخرى ولكن هذه المرة يبدو ان الخلاف احتدم أكثر من سابقة و جوهر هذا الخلاف هو حول الجهة الذي لها حق بتقديم مشروع تعديل القانون وهل لرئيس الجمهورية أو رئاسة الوزراء أمكانية تبني المشروع.
الكثير من القرارات التي صدرت من المحكمة الاتحادية والتي وضحت وفرقت بين القوانين التي يحق لكل سلطه تقديم مشروعها، فقد أصدرت المحكمة قرار بتاريخ 2015/4/14 المرقم 21 وموحدتها 29/ اتحادية /2015 والذي جاء بمضمونه ((وتجد المحكمة الاتحادية العليا أن القانون موضوع الطعن وهو (قانون استبدال اعضاء مجلس النواب) رقم (6) لسنة 2006، ليس من القوانين التي تمس مبدأ الفصل بين السلطات لأنه لم يرتب آثاراً مالية مضافة على السلطة التنفيذية، ولا يشكل خلافاً مع السياسة العامة للدولة ولا يمس مهام السلطة القضائية أو استقلاليتها وقد جاء تشريعه من مجلس النواب مباشرة ممارسة لاختصاصه الأصيل المنصوص عليه في المادة (61 / أولاً) من الدستور وأعمالاً لحكم المادة (49 / خامساً) منه.
وبناء عليه تكون الدعويين الأصلية والموحدة معها قد فقدتا سندها القانوني فقرر ردهما)) أما في قرارها المرقم 153 / اتحادية / 2023 ((وتجد المحكمة الاتحادية العليا أن النص محل الطعن مخالفاً لأحكام الدستور في المادة (62) أولاً وثانياً) منه ؛ لعدم إدراجه ضمن المشروع الحكومي للموازنة المرسل من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب ولعدم أخذ رأي الحكومة عند تشريعه خلافاً لأحكام المادة (61) أولاً) من الدستور لما له من أثر في زيادة مبالغ النفقات المقررة بالمشروع الحكومي وتحميل الحكومة أعباء مالية جديدة دون أخذ موافقتها، الأمر الذي يقتضي الحكم بعدم دستورية المادة (70/ ثانياً) من القانون – محل الطعن)) ومن منطلق المبادئ أعلاه نرى أن الاتجاه الذي سارت علبه المحكمة الاتحادية ان جميع القوانين، التي ترتب آثاراً مالية يجب ان تمر على مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية، وحتى لا تمس مبدا الفصل بين السلطات.
فقد نص النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية رقم 1 لسنة 2022 أن المحكمة الاتحادية مستقلة مالياً وادارياً، وقد أكدت ذلك في قراراها عام 2019 المرقم 38 / اتحادية / 2019 عندما قدم طعن بقانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 بالمادة الثالثة منه وجاء بمضمون قراراها ((واشعار مجلس النواب بتشريع مادة بديلة لها ضمن قانون المحكمة الاتحادية العليا المنظور من مجلس النواب أعمال لأحكام المادة (92 / ثانياً) من الدستور)) و من مفهوم المبدأ السابق نرى ان المحكمة الاتحادية أعطت صلاحيات لمجلس النواب بتشريع قانون له على اعتبار ان الدستور نص في المادة 94 على الزامية وبتات قرارات المحكمة الاتحادية هذا من جهة، ومن جهة أخرى ان قانون المحكمة الاتحادية اعتبر المحكمة مستقلة ونص الاستقلال في المادة الاولى من القانون جاء مطلق، والمطلق قانوناً يجري على إطلاقه، وبالتالي فإن تشريع قانون للمحكمة للاتحادية يرتب فيه آثاراً مالية والنتيجة ينحصر مشروع القانون بالسلطة التشريعية، ألا وهو مجلس النواب.
الا ان حصر موضوع مشروع تعديل قانون المحكمة الاتحادية فقط بمجلس النواب، حسب قرارات المحكمة وحسب ما جاء به الدستور في المادة 92 منه، سوف يجعل المحكمة الاتحادية رهينة بيد الكتل النيابية، وهذا يتعارض مع استقلال السلطة القضائية، التي نص عليه الدستور بأكثر من موطن منها المادة 19 أولاً والتي جاء فيها بأن القضاء مستقل ولا سلطان عليه غير القانون كذلك المادة 87 التي أكدت الاستقلال للسلطة القضائية والمادة 88 التي جاء فيها ((قضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لاي سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة)) أما في ما يخص موضوع إدارة الهيئات القضائية أيضا كفل الدستور العراقي الامر ذلك بمجلس القضاء، وهذا ما نصت عليه المواد 89 و 90.
والجدير بالذكر أن أغلب الدول المقارنة يتم اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية من السلطة التنفيذية، باستثناء المشرع الفرنسي، الذي نص على تعيين أعضاء المجلس الدستوري بمشاركة من السلطة التنفيذية والتشريعية.
ختاماً نرى من الضروري تعديل الضبابية التي جاءت بها المادة 92 دستور 2005 وإلغاء اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية من قبل السلطة التشريعية بأغلبية ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، وأن يكون اختيار اعضاء المحكمة الاتحادية قبل مجلس القضاء الأعلى، بما فيهم خبراء القانون والفقه الاسلامي، على أن يكون ذلك بموافقة رئيس الجمهورية أما انتخاب رئيس المحكمة يكون من قبل الاعضاء، الذين وافق عليهم رئيس الجمهورية.