علي حسين عبيد
قضية أو حالة الفرص المهدورة يعاني منها الأفراد والجماعات، والمجتمعات والدول أيضا، فهناك أشخاص لا تعنيهم الفرص من بعيد أو من قريب، ومنهم يتركها تتسرب من بين يديه حتى حين تصبح أمام عينيه وطوع بنانه، ويرفضها حتى لو جاءت إليه من دون بحث أو تقصٍّ أو تعب، ومثل هؤلاء الأفراد المضيّعين للفرص توجد دول تغلق أبوابها أمام فرص التطور والتقدم، ومن هذه الدول التي لا تعبأ بالفرص بلدنا العراق.
فما يتوافر اليوم بين يديّ العراق من فرص، لم تتوافر له على مر الأزمان، وأقوى هذه الفرص هي الاقتصادية والمالية، فلم يسبق للعراق أن غصّت خزينته بمثل هذه المليارات من الدولارات التي تتدفق عليه شهريا وسنويا، ففي تصريحات رسمية من وزارة النفط (في إطار الشفافية) تعلن هذه الوزارة شهريا حجم المقبوضات المالية في مقابل ما يصدّره العراق من نفط خام شهريا، ويتراوح المبلغ شهريا ما بين 8 إلى 9 مليارات من الدولارات الأمريكية كحد أدنى، وهذه أموال قلما تتوفر لدول قريبة في مستواها من مستوى
العراق.
بل لا تتوفر مثل هذه الموارد لدول كبيرة، أما لو تحدثنا عن الدول المجاورة ودول المنطقة، فإن ميزانية بعض هذه الدول لا تتجاوز واردات شهر واحد فقط من موارد العراق النفطية مثل الأردن أو سوريا على سبيل المثال حيث تبلغ ميزانيتها السنوية من 7 إلى 8 مليارات، وهذا يؤكد أن الحكومات العراقية أهدرت ثروات هائلة، وأضاعت فرصا كبيرة للتطور والتقدم، ومع ذلك لا يزال الأمل قائما بالحكومة الحالية وبالقادمين من القادة.
المطلوب هو أن يتوقف العراقيون عن هدر الفرص المتاحة، وأن يعوا ويعرفوا بأن كرم الأرض ومواردها لا يستمر إلى الأبد، بل قد تنضب ثروة النفط في غضون عقود أو ربما عقد واحد، بالإضافة إلى المحاولات العالمية الجادة للتخلي عن النفط الاحفوري والاعتماد على الطاقة البديلة أو النظيفة، عندها أين يذهب العراقيون ومن أين تأتي لهم الموارد إذا كسدت تجارة النفط أو نضبت هذه الثروة من باطن الأرض.
المطلوب منذ هذه اللحظة تأسيس صندوق سيادي للأجيال القادمة، وهو حق طبيعي لها، كذلك لا بد من اعتماد سياسة تنموية رصينة متصاعدة في نتائجها الملموسة، وتقوم على الخبرات الرصينة الوطنية والصديقة، من دول العالم كافة، فبناء العراق اقتصاديا يجب أن يكون أولوية لجميع الحكومات، بدءا من هذه الحكومة حتى يكون التطور الاقتصادي منهاجا لجميع الحكومات، ولابد من إيقاف سياسة الفرص المهدورة اقتصاديا.
وليس الأمر بالمستحيل، بل هو في متناول اليد، بمجرد توافر الإرادة الوطنية الحقيقية، بل هو مطلب إنساني، أن تحسب حساب الغد، سواء للأجيال القادمة، أو للأجيال الحالية أيضا، والمهم هو اعتماد سياسة اقتصادية علمية جديدة، تأخذ في نظر الاعتبار استثمار الثروات بأقصى ما يمكن، والكف بشكل تام عن اللامبالاة أو العبثية في التعامل مع الموارد المتاحة.