د.صادق كاظم
يتزايد عدد سكان العراق بمعدل مليون شخص سنويا، وأكثر من نصف سكان العراق يقيمون في العاصمة لوحدها وهذا الرقم قابل للتصاعد خلال السنوات المقبلة حتى باتت بغداد اليوم ثاني اكبر عاصمة من حيث عدد السكان في المنطقة العربية بعد القاهرة.
اكثر من ثلث السكان في البلاد لديهم مساكن والباقي لا يملكون ونتيجة لغياب التخطيط والمشاريع والخطوات الحكومية لتسهيل حصولهم على المنازل لجات الغالبية إلى السماسرة الذين شنوا بعد العام 2003 اسوأ وأخطر حرب للهيمنة على الأراضي الحكومية والمتاجرة بها، وخصوصا الخالية منها من أية مشيدات، التي تحولت إلى أحياء ضخمة ومتشابكة وقفت عندها الحكومة عاجزة وغير قادر على وضع حل لها، فلا هي بقادرة على استردادها ولا هي أيضا تعترف بحق السكان للاقامة فيها، فيما اختفى الوسطاء الذين استولوا عليها وذابوا في زحام الفوضى وعدم وجود عقوبات تردعهم أو تحاسبهم.
العراق يحتاج إلى اكثر من 5 ملايين وحدة سكنية من دور وشقق، وهو رقم كبير تحتاج معه الحكومة إلى سنوات طويلة صعبة وشاقة لتحقيقه، اضافة إلى ضعف الاستثمار الداخلي والخارجي الداخل إلى سوق العقارات والذي يكتفي حاليا ببناء ابراج سكنية للأثرياء فقط والميسورين، حيث الأسعار الخيالية لها والتي لا يستطيع المواطنون البسطاء من الحصول عليها.
اتجاه الحكومة نحو حل منح القروض للإسكان إلى مبالغ تصل إلى 150 مليون دينار عراقي، أي ما يعادل نصف أسعار المساكن الصغيرة المساحة يواجه صعوبات، حيث إن هذه القروض ضاعفت من الأسعار، ولم تعمل على خفضها نتيجة لارتفاع الطلب مع قلة المعروض والحلول التي تقدمها هذه القروض ستبقى محدودة وغير مؤثرة في قطاع الإسكان، إضف إلى ذلك فان المستفيدين منها يبقى عددهم محدودا جدا، حيث إن اقراض 10 آلاف شخص سنويا يتطلب 150 مليار دينار على الأقل وهو مبلغ كبير في ميزان الارقام الحكومية.
هناك مصارف عديدة في البلاد ولديها رؤوس أموال كبيرة، وهي من الممكن أن تسهم في حل الأزمة، من خلال تبنيها لمشاريع بناء وحدات ومجمعات سكنية للموظفين باعتبارهم من ذوي الدخول الثابتة، ووفق آليات تضمن حقوق المصارف والمواطنين في وقت واحد، من خلال تعاقدات رسمية واستقطاعات وبمبالغ ميسرة مثلما هو موجود في تركيا، حين تبنت النقابات الخاصة بالموظفين وبالتعاون مع البلديات إقامة مجمعات سكنية لموظفيها وبأقساط سنوية أو شهرية، تتولى من خلالها تسديد المبالغ إلى الشركات العقارية المنفذة وفق جداول تسديد متفق عليها وبأنظمة صارمة لا تسمح بالتلاعب أو التلكؤ مما سمح لهم بالحصول على شقق سكنية جميلة ومريحة.
صحيح إن الحكومة لديها برامج سكنية بعيدة المدى لإقامة عدة مدن سكنية متكاملة كالجواهري وغيرها ومشروع داري، لكن هذه الخطوات بحاجة إلى أموال والى شركات رصينة لتنفيذها لضمان عدم تعثرها، حيث إنها ستبقى خطوة واحدة ضمن رحلة الألف ميل، لمعالجة هذه الأزمة المفتوحة منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما أنهكت الحروب البلاد التي عطلت مسيرة التنمية فيها وباتت صناعة السلاح وحدها المفضلة لدى حكومة الطاغية وليس غيرها، فلا مساكن جميلة حديثة أو شوارع أو مدن تليق بالمواطنين، بل جيوش من المعدمين والفقراء الذين كانوا يكتفون برؤية القصور الرئاسية الثلاثين عن بعد، والتي كان يفتخر الطاغية ببنائها، بينما كان من الممكن أن يشيد بأموالها الكثير من المدن الجديدة، التي كانت ستسعد حتما ملايين الفقراء بها.