سالم مشكور
لا ينفصل القصف الايراني لمواقع في أربيل عن خارطة معقدة من العلاقات المتداخلة بين أطراف اقليمية ودولية.
ايران تتهم العراق بإيواء تنظيمات مسلحة معارضة يجري توجيهها من أطراف أخرى وتحديدا اسرائيل والولايات المتحدة، لتنفيذ تفجيرات واغتيالات داخل ايران آخرها تفجير مدينة كرمان، الذي أودى بحياة مئة مدني ايراني وفق المصادر الرسمية الايرانية.
تقوم ايران بالرد بقصف أماكن داخل العراق. وتركيا تتهم ايران بالتعاون مع أطراف عراقية ذات صفة رسمية لتسهيل وجود قوات حزب العمال الكردستاني التركي في الأراضي العراقية، التي يشن منها عمليات في الداخل التركي وتقوم بين الحين والآخر بقصف مناطق في العمق العراقي، ويسقط أثره مدنيون عراقيون.
أميركا تتهم ايران بدعم جماعات عراقية تقوم بقصف السفارة الاميركية وقواعد عسكرية لها في العراق، فتقوم بقصف مراكز داخل العراق بينها مواقع أمنية رسمية، ويسقط عراقيون.
وسط ذلك كله فإن العراق هو مكسر العصا، والذي يتلقى القصف من كل صوب. باختصار فقد بات العراق ساحة صراع القوى الخارجية، وسيادته تلاشت تحت الضربات الانتقامية لكل أطراف الصراع.
أضحكني تنديد السفيرة الاميركية وهرولتها إلى أربيل وتباكيها على السيادة العراقية، متناسية أن طائرات بلادها قامت بالفعل نفسه قبل اسابيع قليلة، ايران التي تقصف داخل العراق قائلة إن بغداد لم تنفذ بنود الاتفاق الأمني الأخير كاملاً قامت بقصف مماثل داخل الأراضي الباكستانية، لمواقع قالت إنها لمعارضة مسلحة تتمركز هناك، فترد الباكستان بقصف مماثل لمواقع داخل ايران تقول إنها لمعارضة باكستانية مسلحة.
الجميع يقومون بذات العمل وبذات الذريعة التي لا تبدو بعيدة عن الحقيقة.
كل دولة منهم تستخدم معارضة الأخرى ورقة ضغط في سباق النفوذ الإقليمي والخارجي في هذا الاقليم.
ما يثير الضحك أيضا أن الجامعة العربية نهضت من سباتها الطويل لتثور حميتها على السيادة العراقية ولتندد بالقصف الايراني، لكنها غفلت عن السيادة السورية، فالقصف الايراني لأربيل تزامن مع قصف مماثل لمواقع مجموعات مسلحة في مدينة أدلب السورية.
ربما يعود الموقف المجزّأ للجامعة العربية إلى الموقف العراقي، الذي فاجأ الجميع بحدته وصراحته وخطواته القانونية ضد القصف الإيراني.
موقف بغداد الرسمي كان يحمل رسائل لأطراف عدة.
هو انتقال من الصمت على انتهاك سيادته إلى الرد ولو كلامياً. رسالة موجهة إلى إيران كما هي لأميركا، التي يستعد العراق لخوض حوار مطوّل لإنهاء وجود قواتها في العراق.
ورسالة إلى الاقليم مفادها بأن مرحلة عدم الاكتراث بما يجري في الإقليم قد انتهت وأن العراق بحكومته الاتحادية يحمي حكومة الإقليم، لكن ذلك يجب أن يسبقه التزام الإقليم بالسيادة العراقية، وعدم ترك ساحته مفتوحة أمام النفوذ الاستخباري والمعارضاتي الخارجي، بما يخالف مصلحة العراق وعلاقاته الخارجية، وذات الرسالة موجهة إلى مجموعات عراقية منضوية تحت عنوان المقاومة.
وحتى تكون رسائل الحكومة فاعلة، ستحتاج إلى تكرار موقفها حيال القصف الإيراني مع أطراف خرق السيادة العراقية الأخرى.
تركيا تحتل مناطق كبيرة شمال العراق وبموافقة ومؤازرة طرف عراق كردي، ولها أكثر من ثلاثين نقطة عسكرية، بينها ثلاث قواعد ثابتة فيها قوات عسكرية تركية كبيرة العدد والعدّة.
لدى العراق أوراق ضغط عديدة في مقدمتها الورقة الاقتصادية، حيث تعمل مئات الشركات التركية في العراق، والأمنية عبر التعاون لتحجيم الخطر الامني على تركيا من جانب حزب العمال.
ومع الولايات المتحدة فإن أمام العراق مفاوضات طويلة للاتفاق على إنهاء وجودها العسكري في العراق، وما يشكله وجودها من انتهاك واضح لسيادته. في استطلاع للرأي أجراه مركز عراقي لقياس الرأي أظهر أن 24 بالمئة فقط من المستطلعة آراؤهم يؤيدون إنهاء الوجود الاميركي عبر الحوار، فيما يطالب ما يقرب من 60 بالمئة منهم إنهاء الوجود الاميركي بشتى الوسائل.
هذه النتيجة تضع الحكومة، التي لا تملك غير طريق الحوار، أمام مسؤولية كبيرة لإقناع الشارع العراقي بجدوى اسلوب الحوار دون غيره.
هذا لن يتحقق دون تعاون الجانب الأميركي وإقدامه على دعم موقف الحكومة بخطوات تؤكد صدقيته أمام الشارع العراقي.
مهمة الحكومة العراقية معقدة وهي بحاجة إلى التعاون من الأطراف الداخلية، والبداية من تطبيق الدستور بعدم جعل العراق منطلقاً للاساءة إلى الدول الأخرى، وفي مقدمتها دول الجوار.