الروتين في دوائر الدولة

آراء 2024/01/23
...









 علي لفتة سعيد


استسهال إعطاء الرشوة رغم الثقافة الدينية العالية التي تعد الراشي والمرتشي في النار، ويضاف إلى هذا الروتين البيروقراطية التي تعتمد على الخلل في تنفيذ القوانين الإدارية والمراقبة، حتى بات المواطن العراقي يكره مراجعة الدوائر التي تستهلك وقته، ليس بالساعات والأيام بل بالأسابيع والأشهر وربما السنوات لإكمال معاملته، حتى أضحت الحالة هي الأكثر رواجا من كل الحلول التي يتم وضعها مع أي مسؤول في رأس هرم هذه الدائرة أو المؤسسة أو تلك، لأن الأوامر والتعليمات الجديدة سرعان ما تبرد سخونتها اللحظوية، التي تبرز فيها (عضلات) المسؤول في الأيام الأولى، ثم يتلاشى كل شيء لتعود الحالة إلى ما كانت عليه وربما تزداد أيضا

تعاني الدوائر الحكومية من روتينٍ قاتلٍ، ليس وليد المرحلة الراهنة، بل هو مجموعةٌ من التراكمات التي تسبّبت بها عوامل عديدة بدأتها الانظمة ذاتها التي لا تريد حلًا لهذه المعضلة، ولا تنتهي الحروب والحصار والفقر وتفشّي حالة المحسوبية بين أفراد الشعب العراقي الواحد. 

واستسهال إعطاء الرشوة رغم الثقافة الدينية العالية التي تعد الراشي والمرتشي في النار، ويضاف إلى هذا الروتين البيروقراطية التي تعتمد على الخلل في تنفيذ القوانين الإدارية والمراقبة، حتى بات المواطن العراقي يكره مراجعة الدوائر التي تستهلك وقته، ليس بالساعات والأيام بل بالأسابيع والأشهر وربما السنوات لإكمال معاملته، حتى أضحت الحالة هي الأكثر رواجًا من كلّ الحلول التي يتم وضعها مع أيّ مسؤولٍ في رأس هرم هذه الدائرة أو المؤسسة أو تلك، لأن الأوامر والتعليمات الجديدة سرعان ما تبرد سخونتها اللحظوية، التي تبرز فيها (عضلات) المسؤول في الأيام الأولى، ثم يتلاشى كل شيء لتعود الحالة إلى ما كانت عليه وربما تزداد أيضا.

إن الروتين والبيروقراطية وضعف اتخاذ الاجراءات وإيجاد الحلول، تسبّب بتأخير إنجاز المعاملات التي انتجت بدورها حالات من الفساد والرشى التي صارت سمة بارزة وثقافة حاضرة خلال السنوات الماضية، والتي يقوم بها المواطن مجبرًا أو متحايلًا لينجز معاملة غير رسمية أو حتى رسمية، فاللجوء إلى الرشى هي النتيجة الحتمية للروتين وتعدد الخطوات والإجراءات وتوسّعها وعدد تواقيعها. 

ورغم أن الحكومة مثلا وضعت تعليمات بان تكون هناك حوكمة وحلول بتقليص الروتين من خلال استخدام التقنيات الحديثة ومنع الوسطاء، إلّا ان الامر لم يفعل تماما وبقيت الحالة على ما هي عليه وأكثر تعقيدا. 

وهو ما يعني غياب الحلول المنطقية التي اصبحت بحاجة إلى ثورة إدارية على كل القوانين والتعليمات والهيكلية الحكومية والمخاطبات الرسمية، لأن الأسباب التي ازدادت لم تزل على ما هي عليه، ومنها ان الموظف العراقي قليل العمل والتي وصلت نسبة الانجاز له إلى اقل من ربع ساعة يوميا مع زيادة بإعداد الموظفين في الدائرة الواحدة أو الغرفة الواحدة، والتي تسببت ليس بسرعة الإنجاز، بل بقضاء الوقت بالاحاديث والغياب والتهرب من ساعات الدوام وزيادة ساعات الاجازات الوقتية، يضاف لها أيضا أن رأس الهرم ليس من اصحاب الاختصاص، بل جاء عبر تراكمات الوضع السياسي الذي شهده العراق عبر المراحل المختلفة بين رفيق حزبي أو صراع ناطقي وتقاسم حزبي وغيرها والتي أدت إلى وجود شخصيات غير مسؤولة وبالنتيجة ايجاد حالات غير نزيهة في العمل، تنعكس بشكل أو بآخر على الموظف الذي يؤدي العمل المباشر مع المواطن لأنه يرى رأس الدائرة غير نزيه أو لا يستطيع محاسبة اي موظف مقصر تحت مبدأ ( ذا كان رب البيت بالدف ناقرا...)

أتذكر أن دراسة الماجستير في ثمانينيات القرن الماضي كانت عن تبسيط الاجراءات في دوائر الدولة، وأخذت معاملة تسجل مركبات في دوائر المرور وقد بينت الرسالة الروتين القاتل في دوائر الدولة، حيث كانت الخطوات اللازمة لإنجاز المعاملة تصل إلى 52 خطوة في العالم، ثلاث على المواطن و48 خطوة على الدولة في العراق العمل معكوس على المواطن أن يقوم بالخطوات الكبرى، بما فيها ارسال المعاملة من هذا الشباك إلى ذلك ناهيك عن دوائر المصارف والتسجيل العقاري والنقل بين المحافظات التي لم تحل حتى الآن، ويبقى الموظف أو الموظفة التي تنقل بحسيب القاعدة الزوجية رهينة أشهر عدة، لأن المعاملة تنتقل من المدرسة إلى التربية الفرعية ثم التربية الرئيسة، ثم إلى وزارة التربية التي ترسلها بدورها إلى وزارة المالية، والتي تعيد أوامر النقل إلى وزارة التربية، التي تقوم بدورها بعد مراجعة الموظفة أو من ينوب عنها لاستكمالها وارسالها بيد معتمد إلى التربية الرئيسة، ثم الفرعية هذا إن كانت في قضاء ثم المدرسة لتستلمها الموظفة لمراجعة التربية الفرعية، بعد توقيعه مدير المدرسة وأخذها إلى التربية الفرعية، ثم التربية الرئيسية ثم إلى التربية المنقولة لها، ثم النقل إلى مدرسة المحافظة الجديدة. وكل هذا يأخذ أشهرا عديدةً وليس اسابيع. 

وهذه الدائرة أنموذجا للدوائر الأخرى، التي بات فيها الموظف يخاف من أي عقوبة لو سهل المعاملة، لذا فهو يبحث عن نواقصها قبل أن يبحث عن طريقة إنجازها. 

ولهذا تدخل المحسوبية والرشى لانجازها خارج الضوابط، أو باستخدام الصلاحيات التي لا يعرفها المواطن في حقول المراجعات الساخنة.

إن الوقت حان لبدء ثورة على الروتين الاداري من خلال ضخ الثقافة الادارية وتوعية المواطن بان عليه ألا يستخدم الحيل غير القانونية غير الشرعية فضلا عن حث الموظف على العمل من خلال ايجاد مدراء ورؤساء دوائر وحتى اقسام أكفاء من اهل الدائرة أو المؤسسة