العنف الوظيفي

آراء 2024/01/23
...

 ميادة سفر


تعددت أشكال العنف حتى تحول إلى ظاهرة برزت في مجالات الحياة كافة، وتركت آثارها السلبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ملحقة أضراراً في النفس البشرية منها المادي ومنها المعنوي الذين قد يؤدي إلى الإحباط والاكتئاب وبالتالي الفشل، وفي بحثنا عن أشكال العنف المتعددة يبرز العنف الوظيفي واحداً من أكثر أشكال العنف تأثيراً على الفرد أولاً والمجتمع والدولة ثانياً لما له من آثار وعواقب على سير العمل والإنتاج، بما هو سلوك عدواني يحدث في بيئة العمل، ويشمل أشكالاً من التمييز والتنمر والتهديد والتعسف في ممارسة السلطة، والمعاملة السيئة وغير العادلة بين الموظفين، ويكون أحياناً عنفاً جسدياً أو لفظياً وأحياناً جنسياً، ويمكن للعنف الوظيفي أن يصدر عن الرؤساء في العمل أو الزملاء والمراجعين.

ثمة قول ينسب إلى شكسبير: «لا تبحث عن الأخطاء، بل ابحث عن العلاج»، وهو ما لا تفعله الكثير من المؤسسات الوظيفية وأماكن العمل، التي تلجأ إلى برامج التقييم والتقارير التي تتصيد الأخطاء التي يرتكبها الموظفون، والتي تؤدي إلى حرمانهم من الترفع الوظيفي أو قد تسبب بفصلهم من العمل، دون محاولة البحث عن أسباب تلك الأخطاء أو محاولة علاجها، أو إتاحة فرصة للتعلم من الخطأ لأن «من لا يخطأ لا يصيب»، وهو ما يمنع العاملين من محاولة ابتكار أفكار جديدة، خوفاً من الوقوع في الخطأ، مما يبقي الكثير من المؤسسات لا سيما الحكومية تراوح مكانها غير قادرة على مواكبة التطور أو تحسين أدائها.

يعد الوعي بظاهرة العنف الوظيفي أمراً بالغ الأهمية للتصدي لها، فلا بدّ من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمكافحة هذا الشكل من العنف، وخلق بيئة عمل صحية وآمنة، من خلال اتباع آليات الإبلاغ من حالات العنف ومساعدة الأفراد الذين تعرضوا له، فضلاً عن توعية الأفراد وتثقيفهم بهذا الخصوص، وتشجيعهم على التبليغ عن أية مظاهر للعنف والتنمر والتمييز.

على الرغم من أنّ المرأة أكثر عرضة للعنف الوظيفي من غيرها، إلا أنّ ما يمكن مشاهدته يشي بانتشار العنف في أماكن العمل في كل الأطراف ذكوراً وإناثاُ، إذ يغدو طبيعياً أن تمارس إحداهن تسلطها على زميلتها بالثرثرة والتنمر وتأليف القصص حولها، أو على أحد المراجعين عند عدم رغبتها القيام بعمل ما، وهو ما ينطبق حكماً على ما يقوم به الموظفون الذكور من ممارسة عنفية تصل أحياناً إلى حد العنف الجنسي جسدياً كان أم لفظياً على زميلات العمل أو المراجعات، وفي كل تلك الحوادث تضطر الضحية في أغلب الأحيان إلى السكوت، إما خوفاً من خسارة العمل أو عرقلة المعاملة التي تنجزها، في ظل غياب أو تغييب قوانين من شأنها أن تنصفها دون أو تعرضها لشكل آخر من العنف عبر إلقاء اللوم عليها لا سيما حين تكون الضحية امرأة.

في كل مرة نتحدث فيها عن شكل من أشكال العنف نصل إلى نقطة ساكنة تشي باستحالة القضاء عليه، أمام هذا الكم الكبير من الإرهاب الفكري والمعنوي والمادي والأزمات المتراكمة التي تمس بحياة الأفراد وتجعل البعض منهم يصل إلى عمله وهو في أقصى درجات الألم والتردي، إلا أنّ الرغبة في التخلص من العنف بكافة أشكاله يجعل الإشارة إليه فرض واجب علينا جميعاً، لعلنا نتمكن من تغيير شيء ما في الواقع المؤلم الذي يعيشه أغلب سكان هذي البلاد.