باقر صاحب
تزايد الحديث في الصحافة العربيّة عن اليوم التالي لحرب العدو الصهيوني الهمجيَّة في غزة، يعني اليوم التالي من ضمن ما يعنيه؛ هل ستقرِّر حكومة العدو إيقاف الحرب، رغماً عنها، ومن دون تحقيق جميع أهدافها، كما يعني؛ ماذا بعد الحرب، ما هو مستقبل غزة، وما مستقبل حركة حماس، كيف تدار غزة، وهل ستخضع للسلطة الفلسطينيَّة بعد إجراء إصلاحات ماليّة وإدارية فيها.
أوّل المتهرّبين من اليوم التالي رئيس حكومة العدو الصهيوني نتنياهو، حيث رفض أن يبحث مجلس الحرب الصهيوني قضية «اليوم التالي» أكثر من مرة، وبحسب مقرّبين منه، أوضح نتنياهو بأنَّ هناك ضغوطاً من قبل أعضاءٍ متشدّدين في حكومة الحرب، يمارسون ضغوطاً عليه بعدم بحث مسألة إيقاف الحرب، لأنَّ تلك المسألة تعني إسقاط الحكومة من قبل هؤلاء الأعضاء، وهذا ما يخشاه رئيس حكومة العدو اليمينيّة المتطرّفة، لأنّ ذلك يعني نهاية مستقبله السياسي، ورفع الحصانة عنه، ومحاكمته بتهم فسادٍ من قبل الحكومة المقبلة، وإيداعه السجن، مثلما هو مصير رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، الذي سُجن في العام 2016، لمدة ثمانية عشر شهراً، وحتى الأخير انتقد نتنياهو المتصلّب في تقرير نشرته « الجزيرة نت» وذكر أن «مزاعم نتنياهو وأركان حكومته بأنّهُ يمكن القضاء على حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) عبر عملياتٍ عسكريّةٍ غير واقعيّة».
هنا يمكن القول إنّ هناك انقساماتٍ داخليّةً كبيرة، فجيش العدو الصهيوني يريد أن يرى أفقاً لنهاية ما يجري، أي كما ذكرنا؛ اليوم التالي، بينما سياسيّاً، لا يريد أقطاب الحكومة مناقشة مستقبل قطّاع غزّة، ولا أيّ مشاركةٍ للسلطة الفلسطينية في صياغة مستقبل القطّاع.
تظهر الصحافة العربيّة صوراً لاجتماع حكومة الحرب برئاسة نتنياهو، تظهر الأخير حائراً في وضعٍ لا يُحسدُ عليه، ليس لأنه بين كمّاشتي الزعماء المتطرفين في الحكومة وبين تطلّع الجيش إلى اليوم التالي فحسب، بل هناك كمّاشتان أخريان، كمّاشة الحليف الاميركي، الذي يلحّ على حكومة العدو بالاقتناع بحل الدولتين، كما الاقتناع بأنَّ حماس لن يُقضى عليها تماماً، الكمّاشة الثانية هي التظاهرات والاحتجاجات الشعبيَّة في داخل مدن الكيان الغاصب، والتي تطالب بعودة المحتجزين، ورؤية نهاية الحرب.
نرى أنَّ الكيان الصهيوني قد غاصَ في المستنقع الفلسطيني عامةً، والغزّاوي خاصةً، ويتردد في أوساط الخبراء العسكريين، بأن حصاد هذا الكيان من حربه الوحشيّة، لا يستحقّ كلّ مجازر الإبادة للأطفال والنساء وكبار السن، عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلاً عن التدمير الهائل للبنية التحتيّة لقطّاع غزّة، وبحسب التقديرات الأوليّة فإنَّ القطّاع بحاجةٍ إلى خمسة عشر مليار دولار لإعادة الإعمار، فما حصدوهُ والحرب تدخل شهرها الرابع، عودة عشرات الرهائن، وما زال لدى حماس العدد الأكبر منهم، فضلاً عن أنّ حماس لم تنكسرِ الروح المعنويَّة لمقاتليها.
ولطالما ردّد نتنياهو في الأيام الأولى من الحرب بأن طريق العدوّ صعبٌ وطويل، لأنَّه وضع نصب عينيه القضاء التام على حماس، الأمر الذي اصبح الأميركان أيضاً غير مقتنعين بتحقيقه. حيث ذكرت صحيفة «النهار العربي» اللبنانية نقلاً عن صحافة العدو بأنّ «إدارة بايدن تشعر بالإحباط من إطالة أمد الحرب، ومن حقيقة أن نتنياهو يرفض مناقشة الواقع في غزة في اليوم التالي».
والأنكى من ذلك أنّ هناك من ينصح الرئيس الأميركي، ضمن دائرة المقرّبين منه، بأن يعلن عن عدم ثقته بنتنياهو وتعنّته في استمرار الحرب، لكنّ بايدن متردّدٌ في ذلك، وهو قصورٌ، كما نرى، في سياسة بايدن، لا سيّما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية، انطلقت مراحلها التمهيدية في ولاية آيوا، وأسفرت عن فوزٍ ساحقِ لترامب عن الحزب الجمهوري في هذه الولاية، والأخير هو المنافس اللّدود لبايدن.
فهل يظلّ بايدن متردّداً بعد تصريحات نتنياهو المتصلّب، بعد أن قصدهُ بالقول بأنَّهُ ينبغي أن يكون رئيس الوزراء الصهيوني قادراً على قول (لا) لأصدقائه، وهل الأمر كما ذكر الكاتب العراقي فاروق يوسف في مقالٍ له، على موقع (ميدل إيست أونلاين)، بأنَّ الكيان الصهيوني «يجرّ الدول الكبرى إلى هلاكها»، لا ينطبق ذلك على أميركا فقط، بل أشار يوسف إلى عجز الدولتين الكبريين روسيا والصين عن إيقاف العدوان الصهيوني على غزّة، زدْ على أنَّ الدولتين الكبريين بريطانيا وفرنسا منخرطتان مع الموقف الأميركي إلى أبعد الحدود.