الضرائب.. وثمنها البخس

آراء 2024/01/24
...

 د. حامد رحيم

 شأنها شأن العديد من الأدوات الاقتصادية، الضرائب ودورها الاقتصادي، الذي لا يكاد يذكر وسط كل هذه التدفقات المالية، التي شهدها النشاط الاقتصادي بعد عام التغيير السياسي، انه المرض الريعي الذي شل الضرائب بشكل كبير عبر اكتفاء الحكومة بالمورد النفطي لتغطية إنفاقها المتزايد عاما بعد عام فكانت بها من الزاهدين. ولا يخفى دور الفساد الذي فعل فعله في تحجيم دور هيئة الضرائب وقانونها القديم وآليات عملها المتهالكة، ناهيك عن تفكك المؤسسات الساندة كهيئة المنافذ الحدودية.
الضرائب باعتبارها فريضة مالية يدفعها المكلف دون مقابل، تشكل عاملا من عوامل الإذعان للسلطة واعترافا ضمنيا بحقها في جباية الأموال، لتحقيق نفعٍ عام يعود على المجتمع على شكل خدمات، وهنا نشخص سببا مهما في تخلف الجهاز الضريبي يتمثل بالانشقاق المجتمعي، حول شرعية النظام، ومن ثم قل حافز الاذعان لهذا النظام من شرائح اجتماعية كبيرة، بالمقابل أيضا عدم وجود منجز تنموي ملموس من قبل الحكومات المتعاقبة، مما ولد شعورا عاما بعدم جدوى دفع الضرائب للحكومة كون مصيرها مصير المليارات من الدولارات المتأتية عن النفط.
ولا يفوتنا ما أقدمت عليه الحكومات بالخصوص الحالية من تقديم إعفاءات ضريبية غير مبررة اقتصاديا، مثل إلغاء ضريبة الاتصالات والإعفاءات (السخية) لشرائح اجتماعية معينة وغيرها والجانب المهم هو ضعف الرقابة والقيود المالية الضريبية السائبة مثل (الإمانات الضريبية)، التي صارت مطمعا للقوى الفاسدة المتنفذة، وغيرها من العوامل التي القت بظلالها على تلك الأداة المالية المهمة.
نتيجة لكل ما تقدم، لم تتجاوز الإيرادات الضريبية في الموازنة العامة (تخمين 7 %) معدل والإيراد الفعلي المتحقق منها اقل من تلك النسبة مما يجعل الاقتصاد العراقي واحدا من الاقتصادات المتخلفة ضريبيا، وهذا بدوره يعمق من ظاهرة الاختلال الهيكلي. السؤال هنا ما انعكاسات ذلك على عموما الاقتصاد؟
بالتأكيد ترسيخ الظاهرة الريعية ودعم ما يعرف (بالمرض الهولندي)، مما يفقدنا حالة التنويع في الإيرادات، وهذا يعني أن المالية العامة في العراق تفتقد إلى (الاستدامة المالية)، مما يجعلها عرضة للأزمات الناتجة عن تقلبات أسعار النفط عالميا، وهذا ما لمسناه في الأزمات المتكررة، التي وصلت (إلى العظم) عبر تهديد رواتب الموظفين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى قضية بالغة الأهمية متأتية من الدور المفترض إلى للضرائب، إذ إنها ليست أداة من خلالها نعظم إيرادات الموازنة، بل هي وسيلة لتحقيق غايات اقتصادية كبيرة أهمها (تقنين الاستهلاك) وتوجيهه إلى مسارات تنفع الاقتصاد بعنوانه الكلي، فهي تحد من استهلاك بعض السلع التي لا تتلاءم مع الذوق العام، كما أنها تسهم بتحسين البيئة عبر فرضها بنسب عالية على النشاطات المضرة للبيئة مقابل التساهل مع تلك النشاطات الصديقة للبيئة، والاهم من ذلك أن الضرائب أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية الغائبة تماما عن المشهد في العراق، والسؤال كيف تمارس الضرائب دورها التنموي ؟
إضافة إلى إيرادها الذي يدور لصالح المشاريع التنموية، فهي الوسيلة لحماية المنتج الوطني في مراحله المبكرة عبر التعرفة الجمركية على المستورد، كما أنها أداة لمحاربة (الإسراف والتبذير)، الذي يحصل في النشاط الاستهلاكي وهذا ما يشخص في السنوات التي تلت عام التغيير السياسي فنجد السياحة الخارجية (الترفيهية) بالخصوص قد أخذت مأخذا كبيرا من الانفاق الاستهلاكي للمجتمع، وعلى سبيل المثال لا الحصر شكل العراقيون ما نسبته (55 %) من إيرادات السياحة في ايران والبالغة (6.2) مليار دولار في عام 2022 وهذا انفاق كبير، مما يستوجب محاربة هذا الإسراف غير المبرر، كون الاقتصاد العراقي بحاجة لتلك الأموال ليعاد تدويرها في النشاط الداخلي وإحداث التراكم
الرأسمالي.
النتيجة النهائية أن غياب دور الضرائب على جميع الصعدة أفقدنا ركيزة مهمة من ركائز التنمية المفقود.