التماثل والاختلاف للتكيف الثقافي للجاليات العراقيَّة في الغرب

آراء 2024/01/24
...






  د. عبد الواحد مشعل

 تعد الهجرة الخارجية خارج الأوطان قديمة، وقد تعددت أسبابها واتساعها أو محدوديتها على وفق الظروف المحيطة بالماهجرين انفسهم من جهة وعلى مجتمعاتهم وظروفها، والمسألة الاساسية التي تدخل في صميم كل ذلك مدى تقبل أو رفض أو عدم تكيف المهاجرين للأنماط الثقافية التي تسود بلدان المهجر، ولعل تقديم رؤية على وفق المنهج الانثروبولوجي، يجعل الموضوع يدور في الجانب الثقافي وتحدياته وايجابياته بالنسبة للمهاجرين الجدد، والجاليات العراقية المتواجدة منذ فترة طويلة في الغرب والتي تعيش نوعا من التماثل مع الأنماط الثقافية السائدة في الثقافة الأوربية، وقد يعود بعض اسباب القبول لدى البعض مهم مرتبط بالشعور أو الرغبة، لايجاد فرصة حياتية جيدة ومحاولتها للتكيف مع النمط الحياتي الغربي، متحدية الآثار النفسية والثقافية، التي قد تكون ملبية للرغبة في إيجاد مكان يكون قادرا على تلبية طموحاتهم الاقتصادية والثقافية.
 من جانب اخر تتميز ما يعرض الشخصية العراقية المهاجرة من حالة الاختلاف، أو عدم تكيف بعض المهاجرين مع تلك الانماط التي تختلف جذريا مع النمط الثقافي الغربي، ولا سيما مع الذي يلزمون دينيا أو نمطا ثقافيا شرقيا، وتبقى مسألة اكتشاف الميكانيزمات الثقافية، التي تحرك ذلك أو تتقاطع معه بسبب عمليات التحديث والاندماج الثقافي بالثقافة الغربية في ابعادها كافة، يمكن أن تفسر على أساس فرضية القبول والتماثل مع ما يسود الحياة في المجتمعات الاوروبية، وفي الوقت نفسه تقوم على فرضية اخرى أن التقاطع أو اختلاف شخصية المهاجر العراقي مع النمط الثقافي الغربي في مضمونه وشكله الحالي يمثل اشكالية يعيشها وتمثل له في كثير من الأحيان كابوسا أو حالة اغتراب.
وبهذا فان اشكالية فهم حياة الانسان العراقي في المهجر، تكمن في كشف مضامين ذلك التماثل والاختلاف للماجرين العراقيين.
وكون هذه الجاليات  في بلاد الغرب اخذت تتفاعل مع ثقافة مغايرة لثقافتها الاصلية، إلا أن ثمة إحساسا ينتاب كثير من أفراد الجالية العراقية، على الرغم من مظاهر الغربنة، التي تميز بها كثير من المهاجرين منذ فترة طويلة، فإن هناك ثمة احساسا لدى كثير منهم بان جذور ثقافتهم العربية والاسلامية، تجعل ميكانيزمات النسق الثقافي للمهاجرين تشعرهم بهويتهم الاصلية، ويظهر هذا الاحساس في ثنايا تفاعلهم اليومي، ويبرز في كثير من المواقف الاجتماعية التي يتعرضون لها،وبهذا المعنى فان اهمية ذلك تكمن في سعي العلوم الاجتماعية وعلى وجه الخصوص الانثروبولوجيا، إلى تقديم معرفة معرفية عن طبيعة التماثل والاختلاف الذي تعيشه شخصية المهجرين، وهذا الهدف لا ينفصل عن هدف عام تسعى اليه الانثروبولوجيا في رفد الاختصاص باسهام نظري عن طبيعة التفاعل بين الثقافة الظاهرة في الشخصية العراقية المهاجرة قبولا أو رفضا، لما يشكل في جوهره بعدا ثقافيا مقارنا، يمكن ان يبنى عليه تصورا نظريا في مجال الانثروبولوجيا يكشف عن حالة اغتراب المهجر في التعايش مع الثقافة الغربية، على الرغم من انخراط الكثير من ابناء الجاليات في النشاط الوظيفي والاقتصادي في البلدان التي يعيشون فيها، ولعل اهمية تكوين تصور متكامل عن طبيعة العيش في المجتمعات الغربية بين الاندماج والاغتراب ينعكس بشكل أساسي على ثقافة المهاجرين، وانعكاسه على ظروفهم الاجتماعية وتكيفهم الثقافي من عدمه وانعكاسه على أوضاعهم النفسية ودرجة تكيفهم مع ثقافة بلاد المهجر.
إن كشف التماثل بين بعض المهاجرين العراقيين والثقافة الغربية، تكمن اهم نقاطه في معرفة الارتباط بين الجذر الثقافي العراقي، وممارسة النمط الثقافي الغربي الضاغط، كذلك فإن معرفة الاختلاف أو التقاطع بين الانماط الثقافية الغربية والانماط الثقافية لشخصية المهاجرين بتفاعلهم اليومي تتجلى في مشكلة كثير من المهاجرين العراقيين في صعوبة القبول بنمط الثقافة الغربية من جهة، والرغبة في بحثهم عن حياة أفضل يحلمون بها وسط صعوبات المجتمع الغربي نفسه، الذي يعيش ازمات اجتماعية ونفسية، تحت وطأة الضغوطات الاقتصادية اليومية على الرغم ما يوفره من مسلتزمات الحياة المتقدمة.